حوار مع عم صابر ج2


أقرأ الجزء الأول من هنا 


كنا قد وصلنا في نهاية الجزء الأول إلى نيتي لمقابلة ابن عم صابر لأسأله المزيد عن اللغز الحي، عم صابر.

الحق لم تواتني الفرصة ونسيت أو تناسيت الأمر. قلت في سري ما لك ومال الناس! رجل يقرأ، أكثير على البسطاء أن يقرأوا! وبدأ داخلي صراع نفسي مبهر. واحد طيب يقول انس الأمر وعش حياتك، والآخر يقول والله لأعرفن أكثر! انتصر الطيب في النهاية وظننت أن هذه هي نهاية الحكاية. لكني وذات ليلة عودة وجدت ظلاً غير ظل عم صابر يقف على عربته. وذهبت له وهالني الشبه الكبير بينه وبين عم صابر. وحتمت أنه ابنه لكني رغم ذلك سألت عن عم صابر على سبيل اجترار الحديث. قال ابنه وقلت صحيح تشبهه جداً.

كانت العقول متقاربة. ورأيت فيه مراهقاً فطناً يعرف أكثر من المعتاد لسنه، وتلك طبعاً اسمها مكاسب القراءة. أخبرني ليلتها أن عم صابر مريض وأنه يحل محله. وداخلي رأيت ما يشبه السيناريو المخيف. عم صابر جديد في الصنع! ف النهاية تركته بعد أن ابتعت من عنده عشائي.

في الليالي التالية تكرر ظهوره وظهر بيننا خيط صداقة رفيع. وعلمت بعدها منه أن عم صابر لم يعد مريضاً لكنة عهد لابنه بالعربة وهو في إجازة -يستجم- فيها. وطالت بيننا الحوارات بل وتبادلنا الكتب على طريقة -سلفني أسلفك-

وعرفت منه أكثر عن عم صابر. عرفت أنه كان ثورجياً في شبابه. أنه يحب الصيد يوم الجمعة صباحاً. وأنه ذكي و-يحسبها بالمليم- ويدبر كل شيء. أنه يكتب الشعر ويحب أكل البطيخ إلخخ...

الحق لا شيء من ذاك رضى تساؤلاتي عن الرجل. لكني عند تلك النقطة كنت قد تقبلت الأمر تماماً. وقد تحول انتباهي بشكل أو بآخر إلى النسخة المصغرة من عم صابر. ابنه الذي بدا لي لغزاً جديداً. وفي يوم تقابلت وهو صدفة واكتشفنا أن طريقنا سوياً فمشيناه. قلت له وقتها اسمع، ماذا في دماغك؟ قال اللاشيء. إكمال الدراسة ثم الحياة. سألته أما من شيء معين في رأسك فأجاب أن لا. قلت لا يعقل. شاباً مثلك ذكي لا يطمح لشيء! وكنت في ذاك أحاول رفع الكلفة بيننا، ذاك أني كنت متيقناً من أنه يصبو لشيء لكن لا يسره لي. فضحك وقال، نعم ربما أفكر في شيء. سألته أن ما هو فقال إنه يريد أن يصبح كاتباً مشهوراً. وكأنه صفعني أصابني الصمت. تذكرت أن ذاك هو حلمي أنا شخصياً. وأنه لا حق لي في دفع الناس لطموح بينما أنا نفسي لم أحقق طموحي. فهمت أني ربما كنت مغروراً في اهتمامي بالرجل وابنه. ربما أكن ناضجاً بالشكل الكافي كي أفهم أن هذه هي الحياة وأني الآن أختبرها. أني قبل أن أنظر للناس يجب أن أنظر لنفسي أولاً. وكان هذا درسي في الحياة مع عم صابر وابنه.

فيما بعد قابلت عم صابر وسألته ماذا تقرأ هذه الأيام فقال أقرأ في النسبية ضاحكاً، فضحكت معه وأنا لا أدري حقاً إن يمزح أم يصدق. لكنه قال -كان معقداً ابن الذين- وفهمت أنه يقصد أينشتاين صاحب نظرية النسبية. من جديد سمعت صوتاً داخلي. عم صابر صاحب عربة الفول يقرأ في النسبية!

تمت


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرجل الذي لا يعرف

انتهى الدرس

الرجل الثاني على اليمين