المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠٢٣

السماء لا تعرفني

صورة
السماء لا تعرفني. أتذكر تلك الكلمات جيداً، يتردد صداها في ذكرياتي كلما نسيت، وكيف أنسى إذن! هل كان ديسمبر؟ ربما. إني أسمعها، أصوات بعيدة تهمس في أذني "ما كان عليك تركها"  عميقة مثل جُب بئر، بعيدة مثل الغمام في السماء، يتردد صداها في البئر، وتمر مبتعدة كما السحاب. تفيض البئر وترعد السماء. يثور كياني ولا أجيب.  لا أحد يعرف قصتي. لا أحد يعرف قصة الحطاب الوحيد ساكن الكوخ في الغابة. هي؟ رأيتها بين الأشجار والثلوج فحسبتها شبحاً. تطالعني فأطالعها. أول لقاء بين الحطاب وبين الشابة الغامضة التائهة.  صامتة تحمل هموم العالم فوق كتفيها. تحدق في سرمد أبدي. يظن المرء أنها تبحث عن معنى الوجدان هناك في تلك الظلمة البعيدة.  يسألني قلبي عن سر شغفي بشبيهة التماثيل التي تجلس قبالتي على الطاولة. السكون في تصرفاتها أقول، الوهج المنطفيء في عميق عينيها. برودة يدها ونعومتها، تلك اليد التي وجدت منزلاً في يدي تستغيث بدفئه ولا تمانع خشونته. طوّقت أصابعها سبابتي كما يفعل الطفل الصغير فأتاها منزل يدي الأخرى ليعم الدفء في أرضها الناعمة.  حزينة كانت. متألمة بدت. ليلتها وهبتها سريري ونمت أرضاً، وضربتني دهشة ح

ارضَ عنا يا مولانا

صورة
يقول عميد الأدب العربي طه حسين، ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه. وأجد نفسي بين متفق ومعارض.  المسألة ليست مسألة عدم الرضا العام عن النفس، ليست مسألة جشع وتوق للمزيد من منير العقول، العلم، وليست أن تكون كالبحر، تبتلع كل ما يسقط بداخلك ولا تشبع أبداً لأنك تعرف أنه ثمة مزيد، الرجل هنا يتحدث عن نقد النفس وتهذيبها. نقد في كل لحظة وكل حين.  ثم هناك ذلك المثل الذي أؤمن به والذي يقول، الشيء إذا زاد عن حده انقلب لضده، وتسأل نفسك، أين الضر في أن ينقد طالب العلم نفسه دائمأً؟ الحقيقة أنه قد لا يوجد. لكني أعلم أن الكائنات الحية حساسة، تقودها المشاعر والغريزة، ولأن الله اصطفانا بالعقل، فنحن من نقود مشاعرنا وغرائزنا بعقولنا، والنقد لا يكون إلا بالعقل، غير أنّا مثل كل شيء في هذا الكون لنا حدود، ولنا قدرات تحمل معينة تختلف من روح لأخرى، والروح التي تنقد نفسها دائماً، وتدفع نفسها للمزيد دائماً، ليست مثل الروح التي ترضى عن نفسها بين حين وحين. الأولى عقلها جعل نفسها معقدة تسعى الكمال، والثانية عقلها يروض نفسها فتسعى ما تبتغيه. الأولى تؤدي بغير راحة وبخوف واضطراب، والثانية تؤدي براحة لكن بحذر وعناية.  أما أ

مرتين في الأسبوع

صورة
  منذ زمن لا بأس به، رأيت في أحد مواقع التواصل مشكلة لأحدهم، يقول ابني الصغير يكتب أشياءً غريبة لا أفهمها، ولم أهتم كثيراً لأنه كان لا يزال يتعلم الكتابة.  أما أنا فتابعت قصة هذا الرجل باهتمام لأننا لا نرى مشاكل غريبة للأطفال إلا وكان وراءها سر أو شيء كبير، وهذا فضولي قادني. يقول الرجل إن الأمر عند مرحلة ما بدأ يأخذ منحنى مقلق، والملخص أن الطفل ليس بخير. ثم في يوم وجد قصاصة مكتوب فيها جملة كاملة، لكنها أيضاً غير مفهومة. هو يراها حروف متصلة وفراغات ولكن لا يعرف معناها. ثم بعد تدقيق أدرك أن الجملة مكتوبة عكساً. فوقف أمام المرآة مع القصاصة ليجد أن ما كتب بها "مرتين في الأسبوع" ولما سأل الطفل إن كان قد كتب ما بالقصاصة أجاب ببراءة الأطفال أن نعم كتبها، وبدا أنه لا يدرك ما فعل حتى لما رأى القصاصة.  الآن يا سادة لا أعلم عنكم، لكن شيئاً ما في كلام الرجل جعلني أرتجف. قلت إما أن الرجل يكذب وهذه حبكة فيلم رعب نفسي لذيذ، وإما أن فصيلاً من العفاريت يجلسون ويضحكون على المقلب الذي أداروه بالرجل. وسرحت بخيالي وأنا أفكر في حل هذه المعضلة. قلت ما "مرتين في الأسبوع" هذه؟ هل من الطبيعي

رثاء للسيدة ع

صورة
تخيلنا منزلاً تأكله النيران. تخيلنا أنفسنا بداخله ولا نستطيع الفرار. ثم تخيلنا مطراً أنزل علينا فأخمد اللهيب، وحينما حدث هذا، توقف المطر. عرفنا أن المطر هو السيدة ع.. تهبط من السماء، تخمد نيران دواخلنا، ثم ترحل. هكذا.  تقول لي أميرة: - مثل الملاك؟  أجاوبها: - نعم.  - مثل النجوم؟ مثل الفضاء مثل القمر مثل السحب؟ - ربما. لسبب ما، رفضت السيدة ع أن تخبرنا باسمها. عبلة؟ عزة؟ عبير؟ هل هو أصلاً أول حرف من اسمها؟ لا أعلم... لا أحد يعلم على ما يبدو.  في القصة يوجد ما أتقبله، وما لا أتقبله. الذي أتقبله هو أن تخفي اسمها عننا. المسائل الشخصية مهمة فعلاً، وقد تبني بيوتاً وتهدم أخرى، فذاك احترامي لها يصل لهذا الحد، ويتوقف عند الأمر الآخر الذي لم يعجبني، وهو شيء مثل الخبال والعبث! إن السيدة ع ترفض أن تكشف عن وجهها لنا. تلك مهزلة!   يسألني داوود زميلي وهو يلتهم الدجاج الذي جلبته السيد ع لنا: - هل هذه لعبة؟ كان فمه ممتلئاً والكلمات تخرج منه بصعوبة. أقول له: - سل الميتم.  - هل تأكل منابك؟ - لا.  - هل آكله؟ - لا.  - من يأكله؟ - أميرة.  - هل تكره السيدة ع لأنها تجلب لنا كل هذا الطعام؟ - لا أعلم.  ثم نسألهم