مرتين في الأسبوع

 



منذ زمن لا بأس به، رأيت في أحد مواقع التواصل مشكلة لأحدهم، يقول ابني الصغير يكتب أشياءً غريبة لا أفهمها، ولم أهتم كثيراً لأنه كان لا يزال يتعلم الكتابة. 
أما أنا فتابعت قصة هذا الرجل باهتمام لأننا لا نرى مشاكل غريبة للأطفال إلا وكان وراءها سر أو شيء كبير، وهذا فضولي قادني.
يقول الرجل إن الأمر عند مرحلة ما بدأ يأخذ منحنى مقلق، والملخص أن الطفل ليس بخير. ثم في يوم وجد قصاصة مكتوب فيها جملة كاملة، لكنها أيضاً غير مفهومة. هو يراها حروف متصلة وفراغات ولكن لا يعرف معناها. ثم بعد تدقيق أدرك أن الجملة مكتوبة عكساً. فوقف أمام المرآة مع القصاصة ليجد أن ما كتب بها "مرتين في الأسبوع"
ولما سأل الطفل إن كان قد كتب ما بالقصاصة أجاب ببراءة الأطفال أن نعم كتبها، وبدا أنه لا يدرك ما فعل حتى لما رأى القصاصة. 
الآن يا سادة لا أعلم عنكم، لكن شيئاً ما في كلام الرجل جعلني أرتجف. قلت إما أن الرجل يكذب وهذه حبكة فيلم رعب نفسي لذيذ، وإما أن فصيلاً من العفاريت يجلسون ويضحكون على المقلب الذي أداروه بالرجل. وسرحت بخيالي وأنا أفكر في حل هذه المعضلة. قلت ما "مرتين في الأسبوع" هذه؟ هل من الطبيعي أن يكتب طفل مرتين في الأسبوع كأول كلام يكتبه؟
ثم مرتين ماذا؟ مرتين في الأسبوع يزورني "عمو" العفريت في الحلم؟ مرتين في الأسبوع أعطي اللبن والطعام لخوليو صديقي الخفي المحبوس في الخزانة؟
طبعاً من الجدير بالذكر أن الطفل كان يكتب كلامه ذاك دون أن يحتاج لمرآة.
أما الحل الذي لم أكن أبداً قد سمعت به قبلاً، لا أنا ولا الأب، هو أن تلك حالة مألوفة بين الأطفال، ألا وهي الكتابة العكسية، شيء ما في عقلهم يجعلهم يكتبون ذاك، وما أدراني!

الحكمة المستفادة هو أن المعرفة تحد من متعة الخيال، فلو كنت أعرف عن حالات الكتابة المعكوسة هذه، ما كنت قد فكرت في أي شيء مرعب أو غريب، ولما كنت قد أكملت قراءة مشكلة الرجل أصلاً.
ثم ألتمس هذا الأمر في كتاباتي الخيالية، فأرى أني كلما بحثت أكثر حول موضوع ما، كلما استسخفت فكرة العبث به ووضع عنصر خيالي يمسه أو يغير قواعده. وبالتأكيد ثمة نقطة وقوف مثالية للكتابة، تقع بين إكمال البحث والإحاطة بجوانب الأمور، وبين استعمال الخيال والمضي قدماً. 

تلك حكمة خبيثة. لا أعلم ماذا أقول، كن نصف جاهل نصف عالم تعش سعيداً؟
أم قالها المتنبى بصيغة أخرى؟
 "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم" 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرجل الذي لا يعرف

انتهى الدرس

الرجل الثاني على اليمين