همسات في الظلام - الجزء الثاني
قصة: همسات في الظلام - الجزء الثاني
بقلم: أزيز الصمت
في الأيام التي تلت، بدأت ليزي تشعر بشيء غير مألوف يجذبها نحو الأمير، ولكن ما لم تكن تعرفه هو أن هذا الشخص الذي كانت تفكر فيه طوال الوقت ليس شخصًا واحدًا. كانت مشاعرها تزداد تعقيدًا، وكلما التقيا، كانت تشعر وكأن هناك شيئًا غامضًا يحيط به.
في المكتبة – تكرار اللقاء
لم يكن هذا اللقاء الأول بين ليزي والأمير الآخر، فقد التقيا في مناسبات سابقة، ولكن في هذا اللقاء كانت اللحظة أكثر وضوحًا، أكثر ثقلًا. كانت ليزي قد انتهت لتوها من قراءة كتاب قديم عن الفلسفة في أحد أركان المكتبة، حيث تقفز الأفكار من قلبها كما تقفز الحروف من بين السطور. لكن في اللحظة التي قررت فيها أن تضع الكتاب على الرف، اصطدمت يدها بيد شخص آخر.
نظرت بسرعة، لتجد الأمير يقف بجانبها، تلمع عيناه، ولا شك أن هناك شيئًا غريبًا في الطريقة التي نظر بها إليها.
"ألم تجدي مكانًا آخر تقرئين فيه سوى مكتبة القصر؟" قال بنبرة هادئة، لكن عينيه كانتا مشعتين بنظرة غامضة، تحمل في طياتها نوعًا من الفضول.
"كما اخبرتك سالفا أعتقد أن هذه هي أكثر الأماكن هدوءًا في القصر." أجابت ليزي بابتسامة خفيفة، تحاول إخفاء التوتر الذي شعرت به من تواجده المفاجئ.
"هل تحبين الأدب أم الفلسفة أكثر؟" أضاف الأمير، وهو يلتقط الكتاب الذي كانت تحاول الوصول إليه، يمدّه إليها في حركة عفوية غير متكلفة.
"أميل إلى الأدب أكثر." أجابت، وعينها تتبع تحركاته بشكل لا إرادي، رغم محاولة تهدئة نفسها. ثم أضافت بتحدٍ طفيف: "لكنني لا أظن أن هناك الكثير من الأدباء في هذا القصر."
ابتسم الأمير، ونظراته استقرت على عينيها، كأنه يحاول قراءة أفكارها، ثم قال بهدوء: "أعتقد أنكِ لا تحتاجين إلى الأدب هنا. أنتِ أقوى من ذلك بكثير."
هذا التعليق جعل قلب ليزي يخفق بشدة، لكنها اختارت أن تحتفظ به لنفسها. في تلك اللحظة، شعرت وكأن الكلمات التي يتبادلها معها كانت أكثر من مجرد حوار بسيط، كانت تنبض بشيء غير متوقع، شيء كانت هي نفسها تخاف أن تعترف به.
لقاء في الحديقة – أول اعتراف شاعري
في تلك الليلة، وجدت ليزي نفسها تتسلل إلى الحديقة مرة أخرى، كعادتها. كان القمر في سماء صافية، يرسل ضوءه الباهت على الزهور المتناثرة حولها. لكنها لم تكن وحدها هذه المرة. اقترب منها الأمير، وقفت ليزي، تشعر بشيء غريب يعصف بها. لماذا كان يظهر أمامها في كل مرة تجنبت فيها الظهور أمام الآخرين؟
"أنتِ تحبين الهروب، أليس كذلك؟" قال الأمير بابتسامة هادئة، تتسلل بين الكلمات وكأنها رقيقة وعميقة في ذات الوقت.
ابتسمت ليزي، لكن قلبها كان ينبض بشكل أسرع مما ينبغي. "أنا فقط أبحث عن بعض الهواء النقي. أحتاج إلى الابتعاد عن القصر قليلاً." قالت، محاوِلة أن تجعل كل شيء يبدو طبيعيًا، رغم أن مشاعرها كانت على وشك الانفجار.
"ألا تخشين أن يكتشف الملك؟" قال الأمير، وهو يقترب أكثر، وتلك النغمة في صوته جعلتها تشعر بأنه يعرف أكثر مما يظهر.
"هل ستخبره؟" قالت ليزي، محاولًة أن تخفي الاضطراب في صوتها.
ضحك الأمير، ثم اقترب منها أكثر حتى أصبح بينهما مسافة ضئيلة. "لن أخبره بشيء، إذا كنتِ لا تريدين ذلك." قال، ثم نظر إليها بنظرة عميقة جعلتها تشعر وكأنها تتعرى أمامه.
في تلك اللحظة، حدث شيء غير متوقع. الأمير، وبحركة بطيئة، مد يده نحو خصلة من شعرها التي تطايرت بفعل الرياح، وأعادها خلف أذنها. كانت لمسة بسيطة، لكنها كانت مليئة بالمعاني. شعرت ليزي بشيء غريب يمر عبر جسدها، وكأن تلك اللمسة كانت تأخذها إلى عالم آخر.
"أنتِ مختلفة." قال الأمير بصوت منخفض، وعيناه لم تبتعدا عن وجهها. "هل تعلمين، في كل مرة أراكِ، أكتشف جزءًا جديدًا فيك، جزءًا يجعلني أتمسك بك أكثر. أنا... لا أستطيع شرح ذلك."
قلبي ينبض بشدة، وعيناي لا تفارقانك، كأنكِ شيء يشغل كياني بالكامل. هذه الكلمات خرجت منه بهدوء، لكن كانت تحمل في طياتها شعورًا عميقًا لم تستطع ليزي فهمه بالكامل.
نظرت إليه بدهشة، وهي تشعر بأن تلك اللحظات لا يمكن أن تُوصف. "وأنا لا أستطيع أن أفهم لماذا أشعر وكأنني لا أستطيع البقاء بعيدًا عنك، رغم أنني لا أعرف السبب."
ابتسم الأمير ابتسامة هادئة، ثم قال: "ربما نحن الاثنين نبحث عن شيءٍ لا نعرفه بعد. لكنني أعلم أنني لا أستطيع أن أعيش بدون أن أخبرك. أنا... أحبك."
كانت تلك اللحظة أكثر من مجرد اعتراف. كانت هادئة، لكنها مليئة بالصدق، تحمل بين كلماتها رغبة عميقة لا يستطيع أي منهما إنكارها. ليزي، على الرغم من صعوبة أن تعترف بما تشعر به، شعرت بشيء عميق في قلبها يخبرها أنها لا تستطيع الهروب من هذه المشاعر.
بينما كان الأمير يقف بالقرب منها، كانت ليزي تشعر وكأن العالم من حولها يتلاشى، وكأن المشاعر التي بدأت تتراكم في قلبها أصبحت أكثر وضوحًا. لكن ما لم تكن تعلمه هو أن هناك آخر يراقب من بعيد، نفس الوجه ونفس النظرات، كل ذلك من دون أن تعرف الحقيقة كاملة.
--
اللقاء الغير متوقع في المكتبة – المشاعر المتشابكة
كان يومًا آخر في القصر، لكن ليزي لم تكن مهتمة بالعظمة التي تحيط بها. كانت تبحث عن هدوء، لذلك توجهت إلى المكتبة الضخمة. في أركانها، يمكنها أن تجد الراحة التي تفتقدها وسط الحياة الصاخبة في القصر.
بينما كانت تتنقل بين الرفوف، عيناها تتنقل بين الكتب القديمة، توقفت يدها عن الحركة فجأة عندما شعرت بوجود شخص آخر بالقرب منها. وعندما رفعت نظرها، اصطدمت عيناها بعيني الأمير.
"أنتِ هنا أيضًا؟" قالت ليزي، محاولةً تجنب الإحراج.
ابتسم الأمير، وابتسامة هادئة في عينيه وكأنها تحمل سرًا لا يريد أن يبوح به. "لم أكن أظن أنكِ من النوع الذي يختبئ بين صفحات الكتب في هذا القصر." قال، لكن نبرته كانت غامضة، تحمل بين طياتها شيء من الفضول.
"أعتقد أن الكتب أكثر راحة من هذا القصر." أجابت، وهي تميل رأسها قليلاً، في محاولة لإخفاء ارتباكها.
"وأنتِ، هل تجدين راحتك هنا؟" سأل الأمير وهو يقترب خطوة إلى الأمام. كانت تلك المسافة بينهما تتقلص بشكل غير محسوس، ورغم أن الكلمات كانت تبدو عادية، كان هناك شيء آخر في نبرته جعل قلبها ينبض بشكل أسرع.
"أعتقد أن هذا المكان يكاد يكون الوحيد في القصر الذي لا يشعرني بالاختناق." قالت، محاولة أن تكون صادقة دون أن تكشف عن أكثر مما يجب.
"فقط لأنكِ لم تكتشفي بعد الأماكن الأخرى." قال الأمير بابتسامة خفيفة، ثم أضاف: "لكن ماذا لو قلت لكِ أنني هنا لأجدكِ؟"
كان ذلك مفاجئًا، وكانت ليزي على وشك الرد، لكن كلماتها اختفت في الهواء بسبب تلك النظرة التي أرسلها الأمير إليها. كان يتحدث بصدق غريب، وعيناه كانتا مليئتين بشيء لا تستطيع تحديده.
"ماذا تقصد؟" قالت ليزي، وقد شعر قلبها بالقلق. كان هناك شيء غير عادي في حديثه.
"أعني أنه حتى في هذا القصر الكبير، رغم أنني محاط بالعديد من الناس، لا أستطيع أن أوقف تفكيري بكِ." قال، ونبرته هادئة، ولكن هناك قوة في الكلمات جعلتها تتوقف عن التنفس للحظة. "لقد كنتِ دائمًا أمامي، ولكن لم أكن أرى الحقيقة... حتى الآن."
شعرت ليزي بشيء يلف قلبها، شعور غريب، مزيج من الانجذاب والتردد. "لماذا تتحدث هكذا؟" قالت بصوت منخفض، رغم أنها لا تعرف إذا كان ذلك بسبب التوتر أو الفضول الذي بدأ يتسلل إلى داخلها.
ابتسم الأمير ابتسامة لذيذة، لكنه لم يقترب أكثر، بل وقف حيث هو، يراقب رد فعلها. "لأنني أعتقد أنني أخيرًا فهمت السبب في هذا الانجذاب الذي أشعر به تجاهكِ. هناك شيء فيكِ لا يمكنني تجاهله، شيء يجعلني أرغب في معرفة كل شيء عنكِ."
كان قلبها ينبض بسرعة، وكانت تتمنى أن تكون قادرة على إخفاء التوتر الذي كان يتسرب عبر جسدها، لكنها لم تستطع. كلما نظر إليها، كلما كان يشدها نحو شيء لا تعرفه.
"وأنا أظن أنكِ لا تستطيعين الهروب من هذا الشعور." قال الأمير، وتلك المرة كانت نبرته أكثر جدية، وأكثر إصرارًا.
"ربما..." همست ليزي، لكن كلماتها كانت مشوشة، وكأنها غير قادرة على تحديد ما تشعر به بالفعل. كان الأمر معقدًا، والمشاعر تتلاعب بها في كل ثانية.
ثم، وفجأة، أضاف الأمير وهو ينظر إليها بجدية أكبر: "لقد كنت أخشى أن أقول ذلك، لكنني لا أستطيع أن أوقف مشاعري بعد الآن. ليزي... لا أستطيع التوقف عن التفكير بكِ."
كانت هذه اللحظة أكثر من مجرد كلمات. كانت اعترافًا فريدًا، كان يحمل في طياته أكثر من مجرد إعجاب، كان يحمل بين طياته بداية شيء أكبر، شيء كان غامضًا بالنسبة لها، لكنها كانت تشعر به في قلبها.
حيرة ليزي من مشاعرها
لكن ما لم تدركه ليزي هو أنها كانت قد اختبرت هذا النوع من الاعترافات من قبل، ولكن من شخص آخر.
في تلك الليلة في الحديقة، كان الأمير قد اقترب منها وتحدث إليها بنفس الطريقة تقريبًا. وكان يرسل إليها نفس النظرات، وكان يحكي عن مشاعره تجاهها بذات الصدق، بنفس الرغبة في معرفة كل شيء عنها.
"هل سبق لكِ أن شعرتِ بأنكِ تنتمين إلى مكانٍ ما، رغم أنكِ تعرفين أن كل شيء حولك يخبركِ بأنكِ لا تنتمين إليه؟" كان قد قال لها في الحديقة، والآن يعيد الكلمات نفسها.
شعرت ليزي برغبة في البقاء هادئة، ولكن حيرة غريبة أخذت تسيطر عليها. هل هو نفس الشخص؟ هل يمكن أن يكون هناك أكثر من شخص يحمل نفس المشاعر؟ نفس الأعماق؟ نفس النظرات؟
"أنتَ... تجعلني أتعجب من نفسي." همست ليزي، بينما كان قلبها يتسارع في صدرها. كانت الكلمات تقاومها، لكن المشاعر كانت تسبقها.
هل كان هو الشخص ذاته؟ هل كانت مشاعرها تجاهه حقيقية؟ أم أن هناك شخصًا آخر وراء هذه النظرات والمشاعر؟
الصراع الداخلي – المنافسة الخفية بين الأخوين
داخل أسوار القصر، كان هناك شيء أكثر تعقيدًا مما يمكن لأي شخص أن يراه. كان الأخوان، على الرغم من كونهما توأمين، يعيشان في عالمين منفصلين، لكنهما كانا متحدين في شيء واحد فقط: الصراع الخفي على قلب ليزي. لم يكن أي منهما يعرف عن مشاعر الآخر تجاهها، لكن كلاً منهما كان يشعر بوجود الآخر في خوض نفس اللعبة، دون أن يعترف بذلك.
في إحدى اللحظات الهادئة في القصر، كان الأمير الأول يراقب ليزي من بعيد. كان يتتبع خطواتها في الحديقة، يراقب حركاتها التي كانت تتسم بالرشاقة والتحدي، وكأنها مخلوقة من عالم آخر. بينما كان يبتسم لنفسه، كان قلبه يغلي بشعور غير مريح، شعور بالامتلاك، بالرغبة في أن تكون هي له وحده.
"لا يمكنني أن أسمح لهذا الآخر بأن يقترب منها أكثر من هذا..." همس الأمير الأول لنفسه، وهو يغلق قبضته بإحكام على دراعه.
في تلك اللحظة، اقترب منه شقيقه، الأمير الثاني، دون أن يظهر أي تعبير على وجهه. كان يعرف أن الأخوين يعبران نفس المسافة في مشاعرهما تجاه ليزي، لكنه لم يكن ليكشف عن ذلك. على الرغم من أنه كان يتجنب مواجهة أخيه بشكل مباشر، كان هناك شعور داخلي يزداد كل يوم: عليه أن يكون هو من يحقق النجاح في هذا السباق العاطفي.
"أعتقد أنني بدأت أفهم سبب تأثرك بها." قال الأمير الثاني بنبرة غير واضحة، بينما كان يقف بجانب أخيه. كان يبدو أنه يحاول اختبار رد فعله.
"لا تجرؤ على أن تقول شيئًا آخر." أجاب الأمير الأول، ولكن نبرته كانت تحمل شيئًا من التوتر. كان يعلم أن شقيقه يراه منافسًا في لعبة قلب ليزي، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف بذلك حتى لنفسه.
ابتسم الأمير الثاني ابتسامة خفيفة، وهو يراقب في صمت. "لست في عجلة من أمري... أنا فقط أراقب." همس، ولكن صوته كان يحمل تهديدًا غامضًا. لم يكن يريد أن يظهر أي ضعف أمام أخيه، ولكن داخليًا كان يشعر بالقلق.
في الأيام التالية، زاد توتر العلاقة بين الأخوين. لم يكن هناك تفاعل ظاهر بينهما أمام الآخرين، لكن بينهما كانت هناك نظرات غاضبة، وحركات مليئة بالتحدي، محكومة بعالم داخلي غير مرئي.
في أحد المساءات، بينما كان الأمير الأول يتجول في الممرات الهادئة للقصر، شعر فجأةً بوجود شخص آخر وراءه. استدار بسرعة، ليجد شقيقه يقف على بعد خطوات منه، لكن في عينيه كان هناك بريق غريب.
"أعتقد أننا بحاجة إلى حديث." قال الأمير الثاني بصوت هادئ، لكن الأجواء حولهما كانت مشحونة بالتوتر.
"لا حاجة لذلك." رد الأمير الأول بسرعة، لكنه شعر بألم غامض في قلبه. "لن أسمح لك بأخذها."
"أخذها؟" قال الأمير الثاني بابتسامة ساخرة. "هل تعتقد أنها ملكك فقط؟"
كان الصراع بينهما يتصاعد، يتضاعف في صمت، بعيدًا عن أعين ليزي والآخرين. لم يكن أحد يعلم بتلك الدراما الداخلية التي كانت تحدث بين الأخوين. كانت ليزي، في تلك اللحظة، لا تزال عمياء عن الحقيقة التي كانت تختبئ بين ضلوعهما.
في يوم آخر، كان كل منهما يراقبها عن بعد، وكل واحد منهما يعتقد أنه يملك التفوق. لم يكن يعلم أي منهما أن الآخر يشعر بنفس القوة الداخلية، نفس الاندفاع نحوها، ولا كان لأي منهما أن يعترف بذلك حتى في قلبه.
اللحظات الضبابية – التردد الداخلي
في تلك الأيام المشحونة، كانت ليزي تكتشف شيئًا غريبًا. كان هناك شيء في تصرفات الأميرين يجذبها أكثر من الآخر. ومع كل لقاء، كانت تشعر بتقارب عاطفي، ولكن في كل مرة كان يشوبها شعور غير مريح. كان هناك شيء في عيني كل منهما يجذبها، كأنها تقف على مفترق طرق لا تستطيع عبوره.
لم تكن ليزي تدرك بعد أن كلا الأميرين كانا يعبران نفس الطريق، ولكن كل واحد منهما كان يكتفي بإخفاء مشاعره خلف الستار. كانت لعبة غير مرئية، وكان كل واحد منهما يطمح بأن يكون هو الوحيد الذي يملك قلبها.
لكن في عالم الأقدار، كانت الحقيقة أبعد من أن تكتشفها ليزي في الوقت الحالي. لم تكن تعلم أن التنافس بين الأخوين كان أقوى بكثير مما كانت تتصور، وكان سيكون له تأثير عميق على حياتها عندما يأتي الوقت المناسب لاكتشاف السر الكبير الذي يحمله كل منهما.
إخفاء المشاعر عن الملك
في قصر الملك، حيث تنسج المؤامرات والسرية بكل ركن، كان على الأمير أن يحيك سترًا من الصمت والبرود. كان يعلم أن والده، الملك إدريك، لا يحتمل أن يظهر أي نوع من الإعجاب أو التأثر تجاه امرأة من عامة الشعب، خاصة ليزي، التي تثير إعجاب الجميع بجمالها وعقلها. هذا كان يشكل تهديدًا حقيقيًا لنفوذ الملك، وكان يراقب كل تحركاتها بحذرٍ غير ظاهر.
كان الأمير يسعى جاهدًا لإخفاء مشاعره عن والده، لكن الأمر كان يصبح أصعب مع مرور الوقت. في كل مرة تلتقي عيناه بعيني ليزي، كان يشعر بشيء غير قابل للتحكم، شيء يتجاوز حدود الرغبة. كان عليه أن يُخفي ذلك، أن يُغلق قلبه عن الحقيقة التي بدأت تتسلل إليه. حتى أمام نفسه، كان يخشى الاعتراف بما يشعر به.
في لحظاتٍ خاصة، عندما يظن الجميع أنه بعيد، يلاحق الأمير خطوات ليزي في أرجاء القصر. كانت لقاءات عفوية، محادثات خاطفة، ونظرات متبادلة تفضح ما يحاول إخفاءه. كان في كل مرة، يسحب نفسه بعيدًا قبل أن ينهار. فهو يعلم أن أي خطوة خاطئة قد تفضح أمره أمام والده، الذي كان لا يرحم في ملاحقة أي تهديد على سلطته.
في الأثناء، ظل الملك إدريك في حالة مراقبة مستمرة.
كلما ألقى نظرة على ابنه الأمير، كان يقرأ في عينيه شيئًا يرفض تقبله. كان يعلم أن شيئًا غريبًا يحدث بينه وبين ليزي، لكن كان يحاول أن يطمئن نفسه. "هذا مجرد إعجاب عابر، لن يُحدث تغييرًا في شيء"، كان يُردد في نفسه. لكنه لم يكن قادرًا على إخفاء قلقه العميق، فمشاعره المتضاربة بين الغضب والخوف كانت تضغط عليه أكثر مما يدرك.
ذات ليلة، بينما كان جالسًا في مكتبه الخاص، حاول الملك إدريك التركيز على تقارير المملكة، لكنه لم يستطع تجاهل الأفكار التي تشوش ذهنه. نظرات ابنه، وتحركاته الغامضة، كانت كلها تدور حول ليزي. قلبه كان مليئًا بالتوتر، لم يكن مستعدًا لخطر أن تصبح هذه الفتاة تهديدًا حقيقيًا للعرش. فليزي لم تكن مجرد امرأة جميلة، بل كانت تمثل شيئًا أكبر من ذلك. كانت قد دخلت القصر بقدميها، وها هي الآن تسحب معه كل من حولها.
كان الملك يشعر بجزء من قلقه يُخفيه عن الجميع، لا أحد يعلم بما يمر به، ولكن في كل مرة ينظر إلى وجه ابنه، كان يشعر بذلك الشك العميق. كان يعلم أن صراعًا داخليًا قد بدأ يتشكل في قلب الأمير، وبينما كان يشهد بعض التلميحات على تغيرات في سلوكه، لم يكن يستطيع أن يحدد ما الذي يفعله ابنه.
صراعات الملك الداخلية
كانت هناك لحظات قد مر بها الملك وهو يواجه هواجسه حول ليزي. هو من خدم مملكته بكل قسوة وبنظام صارم، ومنع كل تهديد محتمل للعرش، وها هي الآن امرأة من العامة تدق أبواب قلب ابنه. لم يكن يعرف كيف يواجه ذلك، وكيف يمكن أن يحمي ابنه من نفسه.
"هل أصبحت أضعف مما كنت أعتقد؟ هل يمكن أن يهدد قلب ابني مجد المملكة؟" كانت هذه الأسئلة تتردد في ذهنه، لكن لا أحد يستطيع أن يسمعها. كان يتمنى لو كان بإمكانه محو هذه الأفكار من رأسه، لكن في أعماقه كان يعلم أنه إذا سمح لهذا التعلق أن يستمر، سيكون بداية النهاية.
في تلك اللحظات، بين طاولة الاجتماعات الخاصة به وبين قراراته الجادة، كان يتخيل كيف يمكنه احتواء الموقف. كان يفكر في أن الأمر يجب أن يتوقف قبل أن يتحول إلى شيء أكبر من قدرة السيطرة عليه. "هل أحتاج إلى التدخل؟ أم أترك الأمور تتدحرج؟"
لكن الفكرة التي ظلّ يحاول تجنبها كانت تطارده دائمًا: ماذا لو كانت ليزي هي المفتاح لفهم شيء أكبر من هذا؟
ل التوأم الثالث الخبيث – التلاعب من الظلال
بينما كانت الأجواء مشحونة في القصر بين الأمير الأول والأمير الثاني، كان هناك شخص آخر يراقب بعناية، شخص لم يكن معروفًا للجميع، رغم أن ملامحه كانت مطابقة تمامًا لملامح شقيقيه. هذا الشخص كان التوأم الثالث، إدوارد.
إدوارد لم يكن كالآخرين، فبينما كان الأمير الأول والأمير الثاني غارقين في مشاعر متضاربة تجاه ليزي، كان إدوارد يراقبهم في صمت، مبتسمًا في الظل. على عكس إخوانه الذين كانوا يقعون في فخ العواطف، كان إدوارد يختلف تمامًا. كان يحمل قلبًا قاسيًا، وعقلاً يغلي بالأطماع، ولم يكن له أي تردد في استغلال المواقف لمصلحته.
لقاء في الظل – إدوارد
في إحدى الليالي، بينما كانت ليزي تتجول في الحديقة الهادئة للقصر، تجد نفسها ضائعة في أفكارها، بعيدة عن ضغوط القصر وأسراره. كان الهواء باردًا، والظلال تغطي الزهور والأشجار بألوان داكنة، كما لو أن الليل نفسه يخفي شيئًا. كانت بحاجة إلى الهروب من الواقع ولو لدقائق.
بينما كانت تتجول، توقف قلبها فجأة حين شعرت بحركة ما بالقرب منها. التفتت لترى شخصًا يقف بين الأشجار، يراقبها بصمت. كان طويلًا وله هيبة، وأثارت ملامحه المتشابهة شعورًا مألوفًا في قلبها. شعرت بشيء غريب، فقد كان يشبه الأمير الذي اعتادت رؤيته، لكن كان هناك شيء مغاير. مع ذلك، لم تستطع تحديد ما إذا كان هو نفسه أم لا.
"أنتِ هنا في هذه الساعة المتأخرة؟" قال صوته الهادئ، الذي لم يكن غريبًا عليها، بل كان مألوفًا بطريقة ما. كان يبدو كما لو أنه قد تحدث إليها من قبل، رغم أنها لم تذكر متى.
ابتسمت ليزي بخفة، محاولةً إخفاء قلقها. "أحتاج إلى بعض الهواء النقي. القصر يصبح خانقًا أحيانًا."
حاولت أن تبقي الأمور بسيطة، لكنها شعرت أن هناك شيئًا في طريقة حديثه، في نظرته، يثير في داخلها شعورًا غريبًا. كانت العيون نفسها، وكانت اللغة نفسها، وكل شيء في طريقة حديثه يبدو مألوفًا. لكنها لم تفكر أكثر في ذلك، فهي كانت تشعر ببعض الراحة في وجوده، حتى وإن كان شكًا يراودها.
"يبدو أن الجميع هنا يفضلون الظلال على النور." قال بابتسامة، لكن كانت ابتسامته غامضة.
"هل أنت دائمًا تختبئ هنا؟" سألته ليزي، محاولة أن تُظهر فضولها بألا تبدو ضعيفة.
"ربما لا أختبئ، فقط أختار أن أكون هنا عندما لا يراني أحد." أجاب بنبرة هادئة، وكأنما يتحدث عن نفسه في أكثر لحظاته سرية. "الظل يتيح لنا أن نكون أنفسنا."
ابتسمت ليزي بحذر، وكان هذا ما جعلها تشعر بأن هذا اللقاء ليس عاديًا. "إذاً، هل تقول أن هناك أشياء يجب أن تبقى خفية؟"
أجاب بهدوء وهو يقترب خطوة أخرى، "ربما." كان صوته رقيقًا لدرجة أن الكلمات نفسها أصبحت كأنها دعوة إلى عمق آخر في تفكيرها. "هل تعتقدين أنني أخفي شيئًا؟"
شعرت ليزي بشيء غريب يتسلل داخلها، وكأن الإجابة على هذا السؤال لن تكون سهلة. "ربما، لكنني لا أستطيع أن أخبرك إن كنت أفكر في شيءٍ محدد." قالت، محاولة أن تبدو غير مبالية رغم أنها كانت غارقة في التفكير.
ابتسم بلطف وهو يخطو نحوها، ثم مدّ يده ليمسك طرف شعرها الذي كان يتطاير بفعل الرياح. "ربما تحتاجين إلى من يوضح لك أشياء كنتِ تخشين أن تكتشفيها."
تلك اللحظة كانت غريبة، فأصبحت ليزي في حالة من الارتباك. هل كان يتحدث عن مشاعرها؟ أم أن هناك معنى خفي وراء كلماته؟
"هل تعتقد أنني أخشى شيئًا؟" سألته بفضول، وتحدت نفسها في أن تظل متماسكة أمامه.
"أعتقد أنكِ تكتشفين ذلك ببطء، ليزي." قال وهو يعيد يده إلى مكانها بهدوء، ثم أضاف: "لكن أعتقد أنني أستطيع أن أساعدك في رؤية الأشياء بوضوح."
كانت كلماته تلامس قلبها بطرق لم تستطع فهمها في البداية. لم تكن قادرة على تحديد لماذا شعرت بهذا الانجذاب نحوه، ولماذا كان حضوره يثير فيها شيئًا غريبًا، ولكن شيئًا ما بدا واضحًا: كان هو، هو نفسه الأمير الذي كانت تشعر نحوه بشيء مختلف.
ومع تراجع خطواته عن المكان الذي كانت تقف فيه، نظر إليها نظرة أخيرة، وقال بصوت منخفض جدًا، كأنما كان يهمس لها في أسرار الليل: "إذا أردتِ اكتشاف المزيد، عليكِ فقط أن تطلبي ذلك."
كانت ليزي تقف هناك في الحديقة، تنظر إلى الظل الذي تركه وراءه، وما زال يشعرها بشيء غريب، لكن شيئًا في قلبها كان يخبرها أنها قد تلتقي به مرة أخرى، ربما في الوقت والمكان المناسبين.
إخفاء الحقيقة
لكن ما لم تكن تعرفه ليزي، هو أن هذا اللقاء لم يكن عشوائيًا كما كانت تعتقد. هذا الشخص الذي التقت به لم يكن سوا إدوارد، التوأم الثالث، الذي كان يشترك في ملامحه نفسها مع الأميرين الآخرين. لكن ليزي لم تكن تعلم أبدًا أنه كان شخصًا مختلفًا، فقد ظنت دائمًا أن كل هذه اللقاءات كانت مع نفس الأمير.
لحظات مسروقة بين عاشقين… أو هكذا تظن
منذ ذلك الاعتراف الذي تبعته نظرات حائرة وكلمات مطمئنة، بدأ الأمير يقضي وقتًا أطول مع ليزي، وأحيانًا كان يتسلل في الليل ليجتمع بها في مكان بعيد عن الأنظار. كانت الحديقة، أو مكتبة القصر الهادئة، هما المكانان اللذان يتواجد فيهما معًا أكثر من غيرهما. وفي كل مرة كان يتقرب منها أكثر، كانت تشعر وكأنها تنغمس في بحر من المشاعر المتشابكة. كانت هناك لحظات تدفعها للاقتراب منه أكثر، وأخرى تدفعها للابتعاد، لا تفهم لماذا كان يمر بتلك التقلبات المفاجئة في تصرفاته.
"أنت متغيّر، أحيانًا تبدو خجولًا، وأحيانًا واثقًا للغاية." قالت له ذات مساء، وهي تراقب نظراته التي كانت متعمقة في عينيها، وكانت تحاول فهم ما يختبئ وراء تلك النظرات.
ضحك الأمير بصوت خافت، لكن في عينيه كان هناك شيء غير واضح. لم يكن يجيبها كما تتوقع. "ربما لأنني أتعلم كيف أكون الشخص الذي تحتاجينه."
تلك الكلمات، لم تترك في قلبها سوى مزيد من الأسئلة. هل كان حقًا يعرف ما تحتاجه؟ أم أنه كان يلعب لعبة مع مشاعرها، يتركها تعيش في حالة من الارتباك دون أن يشعر؟
لكن الحقيقة هي أن مشاعرها كانت تتوزع بين شخصين، رغم أنها كانت تؤمن في قرارة نفسها أنه شخص واحد فقط. كان الأمير يتقن إخفاء حقيقة مشاعره، وكان يعلم أن كل خطوة خاطئة قد تكشف لهما الحقيقة التي لا يمكن لأحد تحمّلها.
في الظلال، كان الأمير الثالث يراقب.
في مكانٍ بعيد عن الأعين، كان يتتبع كل لحظة بين ليزي والأمير. كان جالسًا في الظلال، يراقب بصمت، وكل شيء حوله كان ينبض بالحقد والكره. شفتيه انحرفتا بابتسامة ماكرة، لكنه لم يكن متسرعًا في كشف أوراقه.
"كم هو ساذج،" تمتم لنفسه وهو يراقب ما يحدث. "يظن أنه يستطيع أن يسرقها لنفسه دون أن أضع يدي عليها."
لم يكن يريد أن يتدخل الآن. لا، فهو كان يخطط لشيء أعمق. كان يريد أن يراها تتعلق أكثر، تعشق أكثر، حتى تكون عاجزة عن الهروب عندما يأتي وقت الحصاد.
وفي قلب الظلام، كان ينتظر اللحظة المناسبة.
لقاءات مسروقة تحت ضوء القمر
لم تكن ليزي تدرك متى بدأ حبها ينمو، لكنه كان كما النار التي تشتعل في قلبها ببطء، دون أن تدري كيف تفعل ذلك. أصبح اللقاء مع الأمير جزءًا من حياتها، لكنها كانت تعلم أنه لا يمكنها الاستمرار في هذا الطريق إلى الأبد. كانت هناك مشاعر متناقضة داخلها، وكان قلبها يصرخ في وجه عقلها كي يتوقف، لكن خطواته كانت تدفعها إلى الأمام، كانت لحظاتها معه تصبح أكثر جرأة وأكثر خطورة.
ذات ليلة، بينما كانت تمشي قرب البحيرة، شعرت به يقترب قبل أن تراه. كان يراقبها من بعيد، لكنها لم تستطع تجاهل تلك الطاقة التي تجذبها إليه. التفتت، ووجدته يقف خلفها. ثوبه الأسود يرفرف في الهواء كالظلال، وعيناه تلمعان وسط الظلام.
"أنت تتبعني؟" سألته بابتسامة ساخرة، بينما عبرت ذراعيها على صدرها، محاولة إخفاء التوتر الذي شعر به قلبها.
اقترب منها خطوة واحدة، حتى أصبح بينهما مسافة صغيرة للغاية، وأحاطتها رائحته المألوفة. همس في أذنها، بصوت خافت: "وهل أملك خيارًا آخر؟ أنتِ اللعنة التي لا أستطيع الفكاك منها، ليزي."
شعرت برجفة تسري في جسدها، وكانت تلك الكلمات وكأنها تيارات كهربائية اجتاحت قلبها. حاولت أن تبتعد، لكنها شعرت وكأنها مكبلة بخيوط غير مرئية، تقيدها في مكانها.
قبل أن تتمكن من قول شيء، شرع الأمير يقترب أكثر، يمد يده برفق ليزيح خصلة من شعرها المتطاير. وعندما أصبح عنقها مكشوفًا، نظر إليها لحظات وهو يتردد، ثم مال ليطبع قبلة خفيفة على جبينها. تلك القبلة التي تركت في قلبها شظايا من الحيرة والفرح، لكنها لم تدرك أن الأمير الثاني كان قد فعل الشيء ذاته في مكان آخر، في ليلة أخرى، ولكن بنفس المشاعر.
كان قلبها يعصف بالأفكار، ولكن لم تدرِ أنها في تلك اللحظة كانت تتلاعب بها خيوط القدر، وأن الحب الذي شعرت به كان محاصرًا في فخ لم تكن على دراية به بعد.
في الأيام التي تلت اللقاءات المتكررة، بدأت ليزي تشعر بشيء غريب يتسرب إلى قلبها. لم تكن قادرة على تحديده تمامًا، لكن كان هناك شيء في الأمير يثير شكوكها ويشعل في داخلها نارًا لا تقدر على إخمادها. حين كانت تتحدث إليه، أحيانًا كانت تشعر وكأنه يعرفها بشكل عميق، وكأنهما يشاركان شيئًا خفيًا، شيئًا يتجاوز الكلمات. وأحيانًا، كان يبدو وكأنه يحاول أن يتجنبها، أو يبتعد عن سؤالاتها التي تزداد يومًا بعد يوم.
عندما كان يدخل إلى المكتبة حيث كانت تجلس، كان يحاول إخفاء تعبيراته، لكن ليزي كانت تلاحظ تلك اللمحات التي تتسلل عبر عينيه. تلك اللحظات التي كان يبدو فيها كمن يحمل عبئًا ثقيلاً، كمن يخشى أن تكتشف ليزي شيئًا ما. لكنها كانت تغلق هذه الأفكار في قلبها، وتتمسك بما تشعر به في تلك اللحظات فقط، دون أن تعمق في التفكير.
في أحد الأيام، جلس الأمير بجانبها في المكتبة بينما كانت منهمكة في الكتابة. كان هناك شيء في تعبير وجهه لم تستطع أن تحدده تمامًا، شيء يعكس عدم الراحة، لكنه كان يحاول أن يخفى ذلك وراء ابتسامة هادئة.
"تكتبين عن الثورة مجددًا؟" سألها بصوت هادئ، لكنه كان يحمل توترًا خفيًا، عينيه تتنقلان بين الورق وجسدها، كأنه يراقب كل حركة لها.
أجابت ليزي بسرعة، دون أن ترفع نظرها، متجنبة أن تكون في مواجهة معه: "لا أستطيع التوقف، إن لم أكتب، سأختنق." كانت كلماتها صادقة، لكن هناك شيء آخر كان يختنق في داخلها أيضًا—الشعور المتزايد بأن شيئًا ما غامضًا كان يختبئ وراء ذلك الأمير.
ابتسم الأمير، لكن الابتسامة كانت غريبة بعض الشيء، وكأنها تحمل حزنًا خفيفًا. لم يتحرك بعيدًا، بل اقترب أكثر حتى شعر بحرارة جسده الذي كان قريبًا جدًا من جسدها. كان لحظة غير مريحة، لكنها لم تبتعد، على الرغم من تلك الرغبة الغريبة التي كانت تحس بها، والتي تجعلها تشعر أن هناك شيئًا غير واضح بينهما.
همس الأمير، بصوت منخفض جدًا، كأنه يخشى أن يسمعه أحد: "أنتِ تحرقين نفسك بهذه الكلمات، ليزي. وأخشى أن يأتي اليوم الذي لن أتمكن فيه من حمايتك." كانت تلك الكلمات عميقة، مليئة بالقلق والاهتمام، لكن شيء فيها جعل قلبها يقفز في صدرها.
رفعت ليزي نظرها إليه للمرة الأولى منذ بدأ الحديث، وتفاجأت من نبرته، ومن قوة مشاعره التي كانت تظهر بشكل مفاجئ. كان يبتسم، لكن عينيه كانتا تحملان ألمًا وحزنًا مخفيين. شعرت بشيء غريب يسري في جسدها، وهو شعور لم تستطع تفسيره. كان يبدو وكأنه يتحدث عن شيء أكثر من مجرد كلمات، أكثر من مجرد حماية من الخطر.
لم تبتعد، بل بقيت هناك، تنظر إليه بصمت، وهي تحاول فك شيفرة هذه الشخص الذي لا يكف عن إرباكها. كان دائمًا هناك، سواء بشكل مادي أو في أفكارها، وكان يترك في قلبها أثرًا لا يمكن إزالته بسهولة.
لكن في تلك اللحظة، لم تكن تعرف الحقيقة بعد، ولم تكن تعلم أن من قال هذه الكلمات لم يكن نفس الأمير الذي قبّل جبينها عند البحيرة في تلك الليلة الحالكة. وكان هذا السر الخفي، الذي سيظل مخفيًا عنها لفترة طويلة، هو ما سيغير مجرى كل شيء.
في القصر… حيث تراقبها العيون
بينما كانت ليزي تتنقل في القصر، غارقة في حب لم تدرك ازدواجيته بعد، كان هناك من يراقبها بعناية، تلاحق كل خطواتها.
الملكة، صاحبة الذكاء الحاد والعيون التي لا تغفل عن التفاصيل، كانت تراقبها عن كثب. بعينين مليئتين بالتساؤلات، كانت ترى ليزي بعينيها الجاحظتين، تلك الفتاة الغريبة التي دخلت حياة ابنها بهذه السرعة، وبهذا التأثير الغريب. جمالها، الذي بدت معه كالعاصفة التي لا تترك شيئًا في طريقها، كان يحمل في طياته شيئًا مظلمًا أكثر من كونه نعمة. كلماتها، التي كان يراها الملك خطرة على عرش المملكة، كانت تزداد شدة في ظل غياب الرقابة الحقيقية. قد تكون هي البداية لثورة جديدة إن استمرت في التأثير على الأمير.
أما الأميرات الأخريات، فكن يتهامسن فيما بينهن. بعضهن، قد يكنّ معجبات بها من بعيد، لكن حسدهن كان يطغى على إعجابهن. وبعضهن الآخر، شعرت بالحذر، وكان هناك دائمًا تساؤل في أعينهن: ما الذي يجعلها تختلف عنهن؟
وفي الظلال، حيث لا يستطيع أحد أن يراها، كانت هناك ابتسامة خفية، مليئة بالمكر والحيلة، تلوح في الأفق. كان هناك من يراقب بعناية تامة، ينتظر لحظة الصفر ليتحرك.
الملك… والتوأم الثالث، الورقة الخفية
في قاعته الخاصة، جلس الملك أمام نار المدفأة المشتعلة، الذي كان ضوءها المتراقص يعكس على وجهه تجاعيد العمر والسلطة. كان ينظر إلى الشخص الذي يقف أمامه، الذي يشبه ابنه تمامًا، لكن هناك شيئًا في أعماقه كان يختلف تمامًا عن إخويه. كان هادئًا، وقاسيًا، كما لو كان يحمل سرًا مظلمًا لا يعرفه أحد.
"لا يمكنني السماح لها بأن تسيطر على إرثي." قال الملك، ونبرته لا تحمل مجالًا للشك. كانت كلماته مليئة بالتهديد الخفي.
الأمير الثالث، الذي ظل في الظل طوال هذه السنوات، رفع حاجبًا بطريقة ساخرة، ثم ابتسم ابتسامة ملونة بخبث. "إذن، تريدني أن أحطمها؟" سأل بصوت يفيض بالتحدي.
أجاب الملك بنبرة شديدة الحزم، لكن عينيه كانتا تلمعان بنارٍ أخرى: "لا، أريدك أن تجعلها تدمر نفسها بنفسها. لا أريد أن أرفع إصبعي عليها، لكنني لا أريدها أن تبقى هنا، أن تظل تُهدّد عرشنا."
ضحك الأمير الثالث، ضحكة لا يصدقها أحد، كأنما يستمتع باللعبة أكثر مما كان يمكن أن يتخيله أي شخص. ثم انحنى قليلًا، وكأنما يسلم للملك، وهو يرى في عينيه ما لا يمكن تفسيره إلا كمتعة خفية لشيء قادم.
"سيكون هذا ممتعًا، أبي." قالها وكأن الكلمات تحمل فيها نذيرًا بشيء رهيب على وشك الحدوث.
وفي تلك اللحظة، بينما كانت ليزي غارقة في الحب الذي لا تعرف عن ازدواجياته، كانت الخيوط تُنسج حولها ببطء. الخيوط التي لم تكن لتدركها إلا حين يصبح من المستحيل الهروب. كان التوأم الثالث يستعد لدخول المسرح. كالأفعى التي تنتظر لحظة الاغتيال. وبكل دقة، كان يخطط لسمه ببطء… ليصل إلى قلبها دون أن تشعر.
12. لماذا يكره الملك ليزي؟ الشرارة التي أشعلت النار
الكلمات التي هزّت العرش
لم تكن ليزي مجرد كاتبة متمردة، بل كانت سلاحًا قاتلًا ضد الملك دون أن تحمل سيفًا واحدًا. على مدى السنوات الأخيرة، انتشرت كتاباتها بين العامة كالوباء، كلماتها كانت كالرصاص تخترق جدران القصور الملكية دون أن يراها أحد. تحدثت عن الظلم، عن الضرائب الباهظة التي دمّرت الفقراء، عن النبلاء الذين يزدادون ثراءً على حساب الجياع، وعن الحروب التي خسر فيها الناس أبناءهم بينما استمر القصر في إقامة الولائم.
لم يكن الشعب غافلًا عن كل ذلك، لكنه كان يخشى الكلام… حتى جاءت ليزي.
بجرأتها، أعطتهم صوتًا لم يملكه أحد قبلها. مقالاتها الساخرة كانت تتداول سرًا في الأزقة والأسواق، تُقرأ همسًا في الحانات، وتُمرّر كرسائل خطيرة بين الجنود الساخطين. كانت كلماتها تتسلل إلى كل زاوية، تغذي روح الثورة وتوحي للناس بأنهم يمكنهم أن يقاوموا الفقر والظلم. كانت تكتب: "هل يظن الملك أن العرش مبني على عظامنا؟ نحن البشر، ولسنا أداة للثراء الفاسد؟"
كان الملك أحمقًا إن ظن أن كلماتها ستظل بلا تأثير. أدرك الخطر منذ اللحظة الأولى.
عندما بدأت الأمور تخرج عن السيطرة
في البداية، ظن الملك أن الأمر مجرد تفاهات، فتاة غاضبة تكتب من غرفة حقيرة، لن تكون لها قوة تُذكر. لكنه كان مخطئًا.
بعد أشهر قليلة، بدأ يلاحظ التغيير في مملكته. بعض الجنود ترددوا في تنفيذ الأوامر القاسية، بعض التجار توقفوا عن دفع الضرائب، بل وحتى بعض أفراد حاشيته أصبحوا يتهامسون حول "ليزي المتمردة". كانت كلماتها تتحول إلى تحدٍ صريح للسلطة، لا شيء يهرب من شحنتها السامة. قال البعض في خلسة: "إن كان الملك يعتقد أنه ملك، فلتذهبوا إليه إذن، وليتسلم هو نفسه عواقب حكمه."
ثم جاء اليوم الذي كُتب فيه أول شعار على جدران العاصمة:
"نحن لسنا عبيدًا... نحن شعبٌ، ولسنا ممتلكات!"
كانت تلك الجملة مأخوذة من أحد مقالاتها، وحينها أدرك الملك أن الأمور قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. لم يكن مجرد تمردٍ بعد الآن، بل كانت حربًا أيديولوجية على النظام نفسه.
محاولات سحق التمرد... وفشلها
لم يكن الملك رجلاً يترك الأمور تتفاقم. أمر جنوده بإحراق أي ورقة كُتبت فيها كلماتها، بإعدام كل من يُضبط وهو يقرأها، وبتعذيب كل من يُشتبه في نشر أفكارها. كان يعلم أن كل كلمة خرجت من قلم ليزي كانت رصاصة في قلب سلطته. لكنه لم يكن يعلم أن العنف سيزيد من قوتها، كما لو أن الدماء التي سفكها من أجل إسكاتها قد أعطتها قوة مضاعفة.
في إحدى ليالي الشتاء، حدثت أول محاولة تمرد حقيقية، حين رفضت كتيبة من الجنود تنفيذ أوامر قمع عنيفة، مبررين ذلك بكلمات ليزي. كانوا يتداولون مقاطع من كتاباتها، ويكتشفون شيئًا لم يعرفوه من قبل: أن السلطة يمكن أن تنهار عندما يكون الشعب مستعدًا للقتال بالكلمات. لم يمرّ أسبوع حتى بدأت الشائعات تتحدث عن وجود انقلابٍ سرّي يتشكل.
وهنا، لم يعد الملك يحتمل. لم يكن بإمكانه قتلها علنًا، لأن ذلك سيجعلها شهيدة ويزيد من خطورتها. لكنه كان بحاجة إلى طريقةٍ أخرى لإسكاتها… دون أن يثير الشبهات. كانت خطته أن يدفنها في قاع القصر، حيث لا يراها أحد، ولا تستطيع أن تزعزع نظامه أكثر.
القرار: ليزي داخل القصر
حين اقترح أحد مستشاريه قتلها سرًا، رفض الملك الفكرة، كان يعلم أن اختفاءها فجأة سيجعلها أسطورة، وهذا آخر ما يريده. لكن الفكر المكيافيلي الذي أبدعه كان أقوى.
"سنأخذها إلى القصر." قال الملك، وعيناه تلمعان بمكر. "سنجعلها تحت أعيننا، نمنحها حياةً مترفة لم تحلم بها، ونرى كم ستستطيع الكتابة حين تصبح جزءًا من النظام الذي كانت تهاجمه."
وهكذا، أُرسلت الجنود لإحضارها، ليس كعدوة، بل كضيفة.
لكن الملك لم يكن يعلم أن في لعبته هذه، كان هناك من يلعب ضده في الخفاء… وأن اثنين من أبنائه سيقعان في حب الفتاة التي كان يريد تدميرها.
دخول الظل الثالث... حين تبدأ اللعبة الحقيقية
ليلة من الشكوك
بدأت ليزي تشعر بأن هناك شيئًا غريبًا يحدث، شيئًا لا تستطيع تفسيره، لكنه يترك أثره عليها كظل يراقبها بصمت. الأمير الذي اعتادت رؤيته أصبح أكثر تناقضًا، ففي بعض الأيام يكون لطيفًا كما كان دائمًا، يلمس يدها بحنان، ينظر إليها بعينين مفعمتين بالعاطفة، وكأنه مستعد للتضحية بأي شيء من أجلها.
لكن في أيام أخرى، كان مختلفًا... متقلب المزاج، كلماته ثقيلة كنصل بارد، نظراته لم تعد تحمل ذلك الدفء المعتاد، بل شيئًا آخر، شيئًا أكثر ظلامًا، كأنه يخفي أمورًا لا ينبغي لها معرفتها.
كانت تحاول إقناع نفسها أن هذا مجرد إرهاق، أن القصر وضغوطه تجعله يتصرف هكذا، لكن شيئًا في داخلها كان يهمس لها... أن هناك سرًا لم تدركه بعد.
الظل الذي يقترب
في إحدى الليالي، وبينما كانت تسير في الممرات الطويلة المؤدية إلى جناحها، شعرت بوجود خلفها. كان الإحساس حادًا، كأن الهواء نفسه يحمل معها أنفاس شخص يراقبها. التفتت بسرعة، لكن الممر كان فارغًا تمامًا، لا أحد هناك سوى لوحات الملوك القدامى وشعلة خافتة تتراقص على الجدران.
هزّت رأسها محاولة طرد تلك الأفكار من عقلها، ربما كانت مجرد أوهام، لكنها لم تستطع التخلص من شعور العيون التي تراقبها في الظلام.
أسرعت في خطواتها، قلبها ينبض بقوة، وحين اقتربت من باب جناحها، سمعت صوت خطوات. ليست خطواتها، بل خطوات شخص آخر، بطيئة، مدروسة، تتبعها كما لو كانت طريدة في لعبة صيد.
قبل أن تتمكن من التحرك، يد قوية أمسكت بمعصمها فجأة وسحبتها إلى زاوية معتمة من الممر.
حاولت الصراخ، لكن الصوت الذي سمعته جعل الدم يتجمد في عروقها.
"ألم تخبريني أنكِ تكرهين الخوف؟"
اللقاء الأول مع الظل الثالث
رفعت رأسها ببطء، قلبها يخفق كطائر مذعور داخل قفصه، والتقت عيناها بعينَي الأمير... أو هكذا ظنت.
كانت ملامحه مألوفة، كل شيء فيه كان مطابقًا له، لكن روحه كانت مختلفة، نظراته كانت قاسية، فيها شيء من الاستمتاع بتوترها، بارتباكها، بشعورها العاجز بعدم الفهم.
"لماذا تفعل هذا؟" تمتمت وهي تحاول سحب يدها بعيدًا، لكن قبضته ازدادت قوة.
لم يجبها فورًا، بل راقبها للحظات كأنه يختبر صبرها، ثم مال نحوها وهمس عند أذنها بنبرة باردة كأنها سكين:
"لأني أريد أن أرى... هل ستبقين قوية حين يبدأ كل شيء بالانهيار؟"
عيناها اتسعتا، تشعر بشيء ثقيل في صدرها، إحساس غير مريح، كأن كلماته تخفي خلفها تهديدًا لم تستطع فهمه بعد.
ثم، كما أمسكها فجأة، تركها فجأة. ابتعد عنها بخطوات هادئة، كأن الأمر كله لم يكن سوى لعبة بالنسبة له، ضحك بخفوت وهو يراقبها تحدق به بذهول.
"نامي جيدًا الليلة، ليزي... فمن يدري ماذا ستجلب لكِ الأيام القادمة؟"
وغاب في الظلام، تاركًا إياها في ارتعاش، وهي تتساءل في رعب:
هل هذا الأمير هو نفسه الذي وقعت في حبه؟ أم أن هناك سرًا مظلمًا لم تدركه بعد؟
لقاء في المكتبة... لمسة غير مألوفة
كان ضوء الشمس يتسلل عبر النوافذ العالية، يلقي بوهج دافئ على رفوف الكتب الضخمة، لكن ليزي لم تكن تشعر بأي دفء. كانت تجلس على الطاولة الخشبية الطويلة، تحاول بتركيز مصطنع أن تستوعب الكلمات المنقوشة أمامها، لكن عقلها كان يسبح في دوامة من التساؤلات.
ما الذي حدث البارحة؟ هل كان يتلاعب بها؟ أم أنها تتوهم؟
حينما سمعته يدخل، رفعت نظرها إليه بحذر. كان الأمير يسير بخطوات هادئة، تعلو وجهه ابتسامة مألوفة، لكنها شعرت أن هناك شيئًا مختلفًا... شيء لا تستطيع تحديده بعد.
جلس بجانبها، أقرب من المعتاد، حتى كادت تشعر بحرارة جسده تخترق المسافة الصغيرة بينهما. لم يكن هذا طبيعيًا... ليس بالنسبة إليه، أو على الأقل، ليس كما اعتادت عليه.
مدّ يده إلى الكتاب بين يديها، سحبه ببطء كما لو كان يختبر رد فعلها. نظرت إليه مستغربة، لكنه لم يكترث، بل قلّب الصفحات بعناية قبل أن يغلقه ويضعه جانبًا.
"ماذا تقرئين؟"
"مجموعة مقالات تاريخية." أجابت بصوت ثابت ظاهريًا، لكن في داخلها، كان هناك اضطراب غامض.
ابتسم نصف ابتسامة، وكأنه وجد في إجابتها أمرًا مسليًا. مال للأمام، حتى كادت أن تشعر بأنفاسه، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل نغمة خفية من التحدي:
"لماذا تهتمين بالتاريخ، وأنتِ تصنعين المستقبل؟"
ارتعشت أصابعها للحظة، لكنها تماسكت بسرعة. حدقت فيه محاولة فك شيفرته، لكنه بدا مستمتعًا بتشوشها.
حاولت أن تُبعد كرسيها قليلاً، لكنه مدّ يده فجأة، وأصابعه لامست ظهر يدها بخفة. لم تكن لمسة قوية، لكنها كانت كافية لجعل قلبها يخفق بسرعة غير معتادة.
"أنتِ خائفة مني، أليس كذلك؟"
شدّت يدها ببطء بعيدًا، وحاولت الحفاظ على هدوئها وهي تردّ: "أنا... لا أفهمك مؤخرًا."
ضحك بصوت خافت، وكأن إجابتها كانت تمامًا ما توقعه، ثم وقف دون استعجال، نظر إليها نظرة طويلة قبل أن يقول:
"هذا رائع... لأنني أعتقد أنكِ لم تكتشفي كل شيء عني بعد."
ثم تركها وحدها، مع نبضات قلبها المتسارعة، وعقلها الغارق في دوامة من الشكوك المتزايدة.
لعبة الملك... والورقة المخفية
في غرفة العرش، حيث تُحاك المؤامرات بصمت، وحيث تُكتب مصائر البشر بحبر الخديعة، وقف الملك بجانب النافذة، يراقب القصر الممتد أمامه بعينين غارقتين في التفكير. شعاع خافت من الضوء تسلل عبر الزجاج الملون، يرسم ظلالًا متكسرة على الأرضية الرخامية، بينما خلفه، في عمق العتمة، وقف شاب آخر... نسخة مطابقة من الأمير، لكنه لم يكن مثله.
"بدأت في الاقتراب منها أكثر؟"
كان صوت الملك هادئًا، لكنه حمل نغمة لم تكن تخلو من التهديد، نغمة اعتاد الجميع على سماعها حين يكون الغضب كامناً تحت السطح، بانتظار اللحظة المناسبة للانفجار.
على بعد خطوات قليلة، كان الأمير الثالث—الشبح الذي لا يعرف أحد بوجوده—يقف بلا اكتراث، يعبث بخاتم في إصبعه وهو يبتسم نصف ابتسامة ساخرة. رفع عينيه ببطء ونظر إلى والده، ثم انحنى بانسيابية أرستقراطية وقال بصوت سلسٍ، يكاد يكون استهزاءً:
"تمامًا كما طلبت، أبي... أصبحتُ جزءًا من عالمها."
الملك لم يلتفت إليه، فقط حرّك كأس النبيذ بين أصابعه، يراقب السائل الأحمر وهو يدور في الكأس كدماء معلقة بين الحياة والموت.
"جيد." تمتم بصوت منخفض، ثم رفع الكأس إلى شفتيه وأخذ رشفة طويلة. "لكن لا تتسرع... أريدها أن تسقط دون أن تدرك كيف ولماذا. لا أريدها أن تكون ضحيةً، بل أريدها أن تكون هي من يسحب الخنجر إلى صدرها بنفسها."
الأمير الثالث ضحك بخفوت، ضحكة لم تكن تحمل أي دفء.
"أوه، لا تقلق، أبي..." قال وهو يميل برأسه قليلًا، ناظرًا إلى الملك بنظرة غير قابلة للقراءة. "سأجعلها ترى الكابوس بدلًا من الحلم... وسأجعلها تحب الكابوس تمامًا كما أحبت الحلم."
ثم، وبخطوات هادئة، استدار الأمير الثالث وابتعد عن الغرفة، تاركًا خلفه صدى كلماته يسبح في الهواء، تمامًا كأفعى تزحف في الظلام، تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
وفي مكانٍ ما داخل القصر، كانت ليزي لا تزال غافلةً عن العاصفة التي تُحاك حولها، وعن الظل الذي بدأ يتسلل إلى عالمها، متربصًا بها... أقرب مما تظن.
طريق إلى الظلام... بداية الفخ
ليلة موحشة في القصر
مرّت الأيام في القصر ببطء غريب، كأن الزمن يرفض التقدم أو التراجع. كانت ليزي تذوب أكثر فأكثر في قصة حبها العنيفة، غير مدركة أنها تعيش كذبة نسجها القدر بيدين ماهرتين. كانت تعتقد أن الأمير الذي تحبه شخص واحد، لكنه في الحقيقة كان اثنين يتناوبان على لقائها، بينما يراقب الثالث كل شيء من الظلال، ينتظر اللحظة المناسبة للتدخل.
كان الأول، إيثان، رقيقًا معها، دافئًا كنسيم ليلي، يحادثها لساعات في الحدائق تحت ضوء القمر، يقرأ لها الشعر، ويداعب خصلات شعرها برقة تخترق روحها العاشقة. أما الثاني، أدريان، فكان مختلفًا تمامًا... أكثر جرأة، أكثر شغفًا، لا يتردد في سرقة قبلة عابرة، أو محاصرتها بنظراته المتقدة، وكأنه يريد أن يطبع اسمه في ذاكرتها إلى الأبد.
أما التوأم الثالث، إدوارد، فقد كان شيئًا آخر تمامًا. لم يظهر لها بعد، لكنه كان هناك، يراقب كل شيء بعينيه الثاقبتين. كان يعلم أن سقوطها قادم، وكان يستمتع بذلك. لم يكن مثل إيثان الحنون، ولا مثل أدريان العاشق، بل كان أكثر ظلامًا... أكثر خطرًا.
ظنت ليزي أن هذا المزاج المتقلب ما هو إلا جزء من شخصية الأمير، وأن الحب قد يكون مليئًا بالتناقضات، ولم يخطر ببالها لحظة أن الرجل الذي تحبه هو في الواقع ثلاثة، لا اثنين..ولا واحد.
لكن الليالي الحالمة كانت على وشك الانتهاء...
الخطة تنفذ بصمت
في القاعة الكبرى، حيث تُحاك المؤامرات بصمت، وقف الملك ينظر من النافذة المطلة على حدائق القصر. في عينيه بريق رجل أدرك أنه على وشك إنهاء لعبة طويلة بدأها منذ زمن. خلفه، وقف إدوارد، التوأم الذي لم يعرف عنه أحد، حتى ليزي التي وقعت ضحية لعبة لا تدرك قواعدها بعد.
"بدأت تؤثر على الشعب أكثر مما توقعت..." قال الملك بصوت هادئ، بينما كان يقرأ إحدى الصحف التي تحتوي على مقال جريء آخر من كتاباتها.
وقف إدوارد أمام والده، عاقدًا ذراعيه، وعيناه تحملان قسوة قد تفوق حتى قسوة الملك نفسه. ابتسم نصف ابتسامة، لكنه لم يقل شيئًا.
"إنها خطيرة يا أبي، لكن لا تقلق... أتركها لي، وسأتكفل بالأمر."
الملك لم يرفع عينيه عن الورقة بين يديه، لكنه قال بصوت خافت يحمل تهديدًا خفيًا: "إخوتك سيغادرون الليلة في مهمة خاصة... عندما يعودون، ستكون الأمور قد حُسمت."
إدوارد لم يسأل عن طبيعة المهمة، لأنه كان يعلم جيدًا أن لا أحد يعود من المهمات التي يرسلهم إليها الملك.
"لا تقلق، أبي..." قال بصوت هادئ، لكنه محمل بوعد خفي. "عندما ينتهي الأمر، لن تعود ليزي كما كانت أبدًا."
بداية الاختلاف
في البداية، لم تلاحظ ليزي أي تغيير. كان "الأمير" لا يزال يلتقيها، لكن هناك شيئًا غير مرئي بدأ يختلف. لم يعد بنفس اللطف الذي اعتادته، صار أكثر جرأة، أكثر رغبة في فرض نفسه، وكأن شيئًا بداخله قد تغيّر.
في إحدى المرات، أثناء سيرها في أحد الممرات الطويلة، اعترض طريقها فجأة. لم يمنحها فرصة للحديث، أمسك بمعصمها وسحبها نحوه، نظراته أكثر حدة، أشبه بملك يريد السيطرة على مملكته الخاصة.
"لم أركِ اليوم..." قال بصوت منخفض، لكن نبرته لم تكن نبرة العاشق الذي اعتادته.
ابتسمت بخفة محاولة التخفيف من التوتر، "كنت مشغولة ببعض الكتابة."
لكن قبضته لم ترتخِ، بل ازداد اقترابه وهمس في أذنها: "أشتاق إليكِ كل لحظة..."
شعرت بقشعريرة غريبة تسري في جسدها. لم يكن هذا أسلوبه المعتاد، لطالما كان يمنحها مساحة، لم يكن يومًا متملكًا إلى هذا الحد.
"هل هناك شيء يزعجك؟" سألته محاولة كسر هذا التوتر الغريب.
ابتسم ابتسامة جانبية لم تفهمها، ثم قال: "لا شيء... فقط أريدك أن تعرفي أنكِ لي، ولي وحدي."
في تلك اللحظة، كان إدوارد هو من يقف أمامها، وليس أحد أخويه. لكنه كان بارعًا في تقمص دورهما، لدرجة أنها لم تشك للحظة في أنها أمام شخص آخر تمامًا.
الليالي تتغير... وهي لا تعرف السبب
مع مرور الأيام، شعرت ليزي أن لقاءاتهما أصبحت مختلفة. لم يعد يناقشها في أفكارها وأحلامها، لم يعد يطلب رأيها في كتاباتها، لم يعد يتحدث عن المستقبل. أصبح أكثر صمتًا، وأكثر اهتمامًا بها بطريقة جعلتها تشعر وكأنها محاصرة، كأنها لم تعد تملك حرية أن تكون نفسها.
وفي إحدى الليالي، عندما تسللت إلى الحديقة كعادتها، لم تكن بحاجة إلى الانتظار طويلًا. جاءها بسرعة، بعينين تلمعان بشيء لم تستطع تفسيره، وكأنها فريسة وقعَت أخيرًا في المصيدة.
"لقد انتظرتكِ طويلًا..." همس، وهو يمسك بيديها بقوة، ينظر إليها كأنما يملكها تمامًا.
"أنتَ تبدو... مختلفًا." قالتها بتردد، تحاول قراءة ملامحه.
ضحك بصوت منخفض، ثم قال: "وهل هذا سيئ؟"
قبل أن تجيب، كان قد سحبها نحوه، يدفن وجهه في عنقها، أنفاسه ساخنة، وقبضته محكمة كأنها لن تُفلت منه أبدًا.
"أشعر أنني أفقدكِ، وأريد أن أكون متأكدًا أنكِ لن تذهبي إلى أي مكان..."
"أنا لستُ ذاهبة إلى أي مكان..." تمتمت بصوت مرتجف، لكن قلبها كان يطرق صدرها بقوة.
ابتسم، ثم همس في أذنها بصوت عميق: "إذن اثبتي لي ذلك..."
قبل أن تفهم ما يقصده، كان قد سحبها نحو جناحه الخاص.
النهاية الحقيقية لمأساتها لم تبدأ بعد...
في تلك اللحظة، لم تكن ليزي تدرك أنها قد دخلت أخيرًا إلى اللعبة الحقيقية. لم يكن هذا الأمير الذي أحبته، ولم يكن مجرد تقلبات مزاج. لقد بدأ الفخ بالانغلاق عليها، والطريق إلى الظلام كان قد بدأ.
في مكان ما خلف جدران القصر، وقف إدوارد يراقب المشهد من بعيد، عيناه تلمعان بوميض خطر.
"مرحبًا بكِ في لعبتي، ليزي..." همس لنفسه بابتسامة ماكرة، قبل أن يختفي في الظلال، تاركًا فريسته تقع في شباكه دون أن تدري.
في تلك اللحظة، انتبهت ليزي أخيرًا إلى أن هناك شيئًا ما قد تغيّر تمامًا. الأمير الذي كان يمثل لها الأمل والراحة في هذا القصر المظلم أصبح كائنًا آخر، مختلفًا في كل شيء. كان يتصرف وكأنها جزء من ممتلكاته، قطعة من شيء يملكه ويحق له التحكم فيه كما يشاء. ومع أن قلبها كان يعارض هذا التغيير، إلا أنها لم تكن قادرة على الهروب من قبضة سحره التي كانت أقوى من كل تردداتها.
"أريدك أن تكوني لي وحدي." قالها بصوت منخفض، عيناه تتألقان بالشر، وكان من الصعب عليها أن تتجاهل هذا التغيير المفاجئ في طبيعته. ليزي، التي كانت تتصور دائمًا أنه أميرها الحنون، بدأت تشعر بنوع من الفزع يتسلل إلى قلبها.
"لماذا؟" همست بها، رغم أن أسئلتها كانت تتساقط في قلبها كالمطر، لكنها لم تجد إجابة تشبع شكوكها. كانت هناك مساحة بينهما، ولكنها كانت ضيقة جدًا لدرجة أن تقترب أكثر من الحقيقة.
في تلك اللحظة، كانت قد بدأت تدرك أن هذا التغيير لم يكن وليد الصدفة. شيء ما كان يلوح في الأفق، شيء غير مرئي، قادم معها في الظلام. لم يكن الأمير الذي تحبه، بل كان أحد التوائم الذين تلعب بهم اليد الخفية التي تتحكم في مصيرها. "أنتَ لستَ كما كنت..." همست بها، لكنها لم تستطع أن تُكمل جملتها، فقد شعرت بشيء قاتل يقترب منها، وكان يد الأمير قد أغلق على معصمها بشدة أكبر.
"أنتِ الآن في فخٍ لن تخرجي منه بسهولة، ليزي." قال وهو يضغط على معصمها أكثر، متأكدًا أن ضحيته ستشعر بشيء غريب ينغرز في قلبها، وأنها قد أصبحت جزءًا من لعبة أكبر.
هذه المرة، لم يكن هناك مجال للاعتذار أو الهروب. كان كل شيء قد تغير، وكان الفخ قد أُعد بدقة، لا مجال فيه لأي مفر. عيونها التي كانت مليئة بالحب والحيرة بدأت تكتشف الحقيقة التي حاول الملك إخفاءها عن الجميع، حقيقة أن الأمير الذي تظن أنه الوحيد هو في الواقع واحد من ثلاثة توائم يلعبون أدوارهم في عالمها بشكل متسلسل. والآن، وجدت نفسها عميقة في ظلام لا تستطيع الخروج منه.
الملك، الذي كان يراقب الأحداث عن كثب، بدأ يبتسم في الخفاء. كانت خطته تسير كما هو مرسوم لها، وكان الأمير الثالث، الذي كان يختبئ في الظل، قد بدأ ينفذ مهمته كما كان متوقعًا. لكن ليزي كانت أكثر من مجرد ضحية في هذه اللعبة القاسية؛ كانت لديها القوة التي لم تدركها بعد، قوة يمكن أن تغير مسار كل شيء.
في اللحظة التي كانت فيها ليزي تحاول فهم ما يحدث، أصبح كل شيء محاصرًا في ضبابٍ كثيف. كان عقلها يُصارع بين الحقائق المتناقضة، وكان قلبها يصرخ دون أن تستطيع سماعه، لأنه كان غارقًا في أصوات الوعود الكاذبة.
"أنتِ لي الآن، ليزي..." قال الأمير الثالث، الكلمات التي اعتاد أن يهمس بها، لكن هذه المرة كانت تحمل شيئًا مظلمًا، شيئًا لم تستطع تجاهله.
لقد كانت تدرك منذ البداية أن هناك شيئًا غريبًا في تصرفاته، لكنها كانت ترفض الاعتراف به. تظن أنها كانت تكذب على نفسها، تبحث عن الأمل في مكان لا يوجد فيه. لقد خُدعت بأحاسيسها، وأصبح الأمير الذي كانت تحبه مجرد سراب.
"لماذا تفعل بي هذا ؟" همست، صوتها يتسرب بين الدموع التي غسلت ملامح وجهها.
"لأنكِ تعلقتِ بي، لأنكِ جعلتني جزءًا من عالمك، ثم تركتِ البقية يظنون أنني شخص آخر." أجاب الأمير، صوته يشوبه السخرية. "لكنكِ تعرفين الآن. أنا لست من تظنينني، كنتُ دائمًا هنا، أراقبكِ، أدرسكِ، أبحث عن الفرصة."
كانت تتمنى لو تستطيع الهروب، لكنها كانت محاصرة بين جدران لا تعرف مخرجًا منها. كان جسمها ملقى على السرير كما لو كان عائداً من حرب خاسرة، عقليًا وروحيًا. كان كل شيءٍ من حولها مظلماً، رغم النور الذي كان ينبعث من نوافذ الجناح.
لكن عندما قال: "هذا ليس الأمير الذي وقعتِ في حبه..."، أدركت فجأة شيئًا واحدًا، شيئًا كان قد غاب عن ذهنها. شعرت أن الحقيقة بدأت تبرز في شكل غامض، لكن لم تستطع إدراكها بعد.
كانت قد سقطت في المصيدة دون أن تدري، ورغم كل ما مرّت به، ما زالت لا تعرف كيفية الخروج من الظلام الذي أوقعها فيه.
انكسارٌ غير متوقع
في الأيام التالية، لم يكن هناك شيء طبيعي. ليزي كانت تائهة، محاصرة في دوامة من المشاعر المتضاربة. الألم، الخوف، الشك... كانت كل لحظة تقضيها في جناحها ثقيلة، تشعر أن كل شيء أصبح رماديًا بلا معنى.
أما الأمير الثالث، الذي اعتقد أنه قد نال منها، فقد بدأ يواجه شيئًا لم يكن في حسبانه.
في البداية، كان يراها مجرد لعبة، انتصارًا له على إخوته وعلى إرادتها. كان استحواذه عليها جزءًا من خطته مع الملك، طريقة لإذلالها وكسرها. لكنها لم تُكسر... على الأقل ليس كما توقع.
كانت نظراتها مشتعلة بالكراهية، كلماتها مليئة بالاحتقار، لكنها لم تذبل، لم تستسلم، لم تتحول إلى ظلّ لما كانت عليه.
ولأول مرة في حياته، بدأ يشعر بشيء غريب...
لماذا تؤلمني نظراتها؟ لماذا أشعر وكأني أنا الأسير، وليس هي؟
شرخ في الجليد
في إحدى الليالي، وجد نفسه يقف أمام جناحها دون سبب واضح. لم يكن لديه أمر من الملك، لم يكن ينوي إيذاءها أو التلاعب بها كما اعتاد. كان فقط... هناك.
دفع الباب ببطء، فرأى ليزي جالسة عند النافذة، تحدّق في الظلام، غارقة في أفكارها. كانت شاحبة، لكن لم يكن فيها استسلام. كانت كأنها جنديّ جريح، لكنه لم يسقط بعد.
تردد للحظة، لكنه تقدم نحوها. عندما سمعت خطواته، لم تلتفت، فقط قالت بصوت بارد:
"لم أعد خائفة منك."
شعر بشيءٍ يشبه الطعنة في صدره. لم يكن هذا ما توقعه. كان يظن أنها ستبكي، ستطلب منه الرحيل، ستتوسل... لكنها كانت قوية، أقوى مما تخيّل.
جلس بجانبها بصمت، ثم قال ببطء: "لا أريدكِ أن تخافي مني."
نظرت إليه أخيرًا، عيناها مليئتان بالكراهية الصافية. "وهل يهمك ذلك؟"
ابتلع ريقه. لماذا يهمه؟ لماذا يبدو الأمر وكأنها هي من تملك السيطرة الآن، رغم كل ما حدث؟
"أنتِ..." تردد للحظة، ثم زفر قائلاً: "أنتِ مختلفة."
"وأنتَ كاذب." ردت بلا تردد، مما جعله يبتسم رغمًا عنه.
أدار وجهه بعيدًا، يتأمل انعكاس القمر على الأرضية الرخامية. "أتعلمين؟ ظننتُ أنني أعرف كل شيء عنك. قرأتُ كل كلماتك، كل مقالاتك، كل هجوم كتبته ضد القصر. كنت أظن أنكِ مجرد متمردة مغرورة، فتاة تلعب بالنار دون أن تفهم العواقب."
وقفت ليزي، نبرتها متهكمة: "ولذلك قررتَ أن تلقنني درسًا، أليس كذلك؟"
نهض بدوره، نظر إليها نظرة غريبة، لم تكن مليئة بالسخرية كما اعتادت. "ربما... لكنني لم أكن مستعدًا لما حدث لي."
قطبت حاجبيها. "وماذا حدث لك؟"
اقترب منها خطوة، رفع يده ببطء، لكنه لم يلمسها، فقط ترك أصابعه تحلق قرب وجهها. "أنتِ ما زلتِ كما كنتِ، حتى بعد كل شيء. لم أتمكن من تحطيمك. لم أنجح في جعلكِ تستسلمين لي."
ثم، بصوت بالكاد كان مسموعًا، كأنما يعترف بشيء خطير:
"وأنا... لا أفهم لماذا يؤلمني ذلك."
في داخله، كانت هناك حرب غير مرئية. مشاعر متناقضة تغزوه، بين الكراهية والاعتراف بقوته. كانت ليزي مجرد هدف له، لكنه بدأ يشعر بشيء آخر، شيء غير مريح... شيء يشبه الندم، ولكنه لا يستطيع مواجهته. لماذا يشعر بأن كسرها ليس فوزًا؟ لماذا يشعر أن خسارته لها ستكون هزيمة لن يستطيع الخلاص منها؟
بدأ الأمير الثالث يشعر بشيء غريب يتسلل إلى أعماقه، شعورٌ لم يكن ليصفه في البداية. في كل مرة كان يقترب منها، كانت مشاعره تتلاطم كالأمواج الهائجة، تتسارع، تتفاقم، حتى كأنها تهدد بغمره. كان يتوقع أن يتمكن من إخماد هذا الشعور، لكن كل محاولة كانت تزيده احتراقًا. في البداية، كان يظن أن هذه مجرد لعبة، مجرد تحدٍ لكسر عزيمتها، وكان يرى نفسه في موقف المنتصر الذي يتحكم بكل شيء، كما لو كان هناك خطة محكمة يعيها جيدًا.
لكن، مع مرور الأيام، بدأ يدرك أن الوضع ليس كما كان يتخيله. كل لقاء معها كان يترك أثرًا عميقًا في نفسه. كانت تملك شيئًا فيه يفتقده، شيئًا جعل ابتسامتها تغزو قلبه، حتى وهو يحاول إقناع نفسه أن كل هذا غير مهم.
وما زاد من حيرته، هو ما كان يشعر به عندما كان يراها تبتسم عندما تتحدث عن الأمير الذي تحبه، الذي تظن أنه شخص واحد. كانت الكلمات تتدفق من شفتيها وكأنها أغنيّة مليئة بالحنين، وعيناهما تلمعان كأنها تروي قصة حبهما الذي بدا أبديًا. كان يراها تغرق في عوالمه، كيف يملأها الشوق إليه، وكيف يتملكها شعور بالسلام عندما تتحدث عنه. كان هناك شيء في نبرة صوتها، في الحروف التي تنطقها، يشتعل في قلبه. كان يكره ذلك الشعور، يكره كيف أن أي ذكرٍ له كان يشعل نارًا في داخله، نارًا لم يكن يعرف كيف يطفئها.
كان يعترف لنفسه في لحظات الضعف أنه يشعر بالغيرة، وهو أمرٌ كان يرفضه بكل ما لديه من قوة. كيف يمكن أن يشعر أمير مثله بهذه المشاعر تجاه امرأة كانت مجرد قطعة في لعبة أعدها له والده؟
لكن الحقيقة المرة كانت تكمن في أن تلك القطعة كانت قد سلبت قلبه بالفعل. في كل مرة كان ينظر إليها، في كل مرة كان يتلامس معها، كان يشعر بذلك التوغل العميق في قلبه، وتلك الهزّة الداخلية التي تخبره أنه أكثر تعلقًا بها مما يجب. كان يتمنى لو أن بإمكانه أن يقاوم، لكن كل خطوة كان يأخذها نحوها كانت تزيده غرقًا في هذا المستنقع.
أما ليزي، فكانت تقف على مفترق طرق. لم تكن تفهم سبب تصرفاته المتقلبة. في البداية، كانت تشعر أن كل ما يفعله مجرد ألاعيب جديدة، طريقة أخرى للسيطرة عليها، للعب بعقلها. كان يسعى دائمًا لإظهار قوته، ليفرض نفسه، وكأنها لعبة تحكمها قواعده هو وحده. ومع كل خطوة كان يخطوها نحوها، كانت هي تتراجع، مشككة في نواياه.
لم تكن تصدق أنه يمكن لهذا الأمير، الذي أصبح أكثر قسوة في سلوكه، أن يحمل أي مشاعر صادقة تجاهها. كانت تؤمن أن وراء تلك التصرفات المريبة يوجد شيء مظلم، ربما رغبة في السيطرة على حياتها، ربما محاولة لإحكام قبضته عليها أكثر. لم تَكُن لتتخيل أبدًا أن هناك شيئًا آخر يدور خلف هذه الأفعال... شيئًا لا يستطيع هو نفسه تفسيره بعد.
ومع ذلك، كانت الأيام القادمة تحمل مفاجآت غير متوقعة. كان الأمير الثالث قد وصل إلى نقطةٍ لم يعد فيها قادرًا على الهروب من نفسه. كما أن ليزي، التي اعتقدت في البداية أن مشاعر الأمير ما هي إلا تقلبات أو سعي للانتقام، ستكتشف شيئًا يتجاوز كل توقعاتها. سيكتشفان معًا أن ما كان بينهما ليس مجرد صراع على السلطة، بل معركة مع الذات، ومع معركة ضد المشاعر التي لا يمكن الهروب منها، مهما كانت مريرة.
في تلك اللحظات التي كانت تتداخل فيها الرغبة والألم، لا يعرف أحد منهما ما الذي سيحدث بعد... لكن الحقيقة واحدة: لا أحد منهما سيكون كما كان.
الملك يقرر إنهاء اللعبة
في الليلة التي انهار فيها الأمير الثالث، لم يكن يعلم أن عيونه كانت تراقب كل حركة وكل كلمة. كانت عينا الملك قد لاحظت التغيرات التي طرأت على ابنه الخبيث، التردد الذي بدا يختلط مع تصرفاته، الشرود الذي صار يغزو نظراته، وكيف أصبح أكثر انعزالًا وتجنبًا للحديث. وعيناه، تلك العيون الثاقبة التي اعتادت أن تسيطر على كل شيء، كانت ترى بوضوح ما لم يره أحد غيره.
لقد وقع في الحب.
الكلمة التي كانت أكبر تهديد في مملكة الملك، الكلمة التي يمكن أن تقلب خططًا أُعدت بعناية على مدى سنوات. الحب. شيء لا مكان له في استراتيجياته المحكمة، شيء كان دائمًا عدوًا للسلطة. كيف لمن كان قد فُرض عليه أن يكون آلة مدمرة، أن يسقط ضحية لهذه المشاعر الملوثة؟ كيف لمن كان يُفترض أن يكون أقسى من الحديد وأشد من الجبال أن ينهار هكذا؟ كان الملك يظن أن ابنه الثالث، هذا الأمير المتقلب، كان صلبًا بما يكفي ليتجاهل مثل هذه المشاعر، لكنه فشل. وهو الفشل الذي لم يكن ليسمح بحدوثه.
وفي تلك اللحظة، في عمق الظلام الذي يحيط بالقصر، أصبح القرار لا مفر منه. كان عليه أن ينهي هذه الفوضى التي بدأ ابنه يُحكم عليها بنفسه. قرر أن ينهى هذه اللعبة التي اقتربت من الخروج عن سيطرته.
في صباح كئيب، حينما كانت السماء لا تزال مغطاة بظلال من الرماد، اجتمع الوزراء والحاشية في القاعة الملكية. الملك كان في عرشه، مستترًا تحت قناع من الهدوء، لكن عيناه كانت تكشفان عاصفة من الغضب تحت السطح. كان يعلم أن ساعة الحسم قد أزفت.
"استدعوا أبنائي الثلاثة... وأحضِروا ليزي." قال بصوت منخفض، لكن خالي من أي رحمة.
اللقاء المميت
لم تكن ليزي على استعداد لما كان ينتظرها. عندما سُحبت من جناحها بالقوة، لم تكن تدرك بعد ما كان على وشك أن يحدث. كان هناك شيء مظلم، شعور ثقيل يضغط على صدرها، شيئًا يشبه شبح الموت يلاحق كل خطوة. لم تفق من حالة الارتباك حتى دخلت القاعة الملكية، حيث كان المشهد أمامها أشبه بكابوس حي.
الملك، جالسًا على عرشه، يحيط به الظلال. عيونه، التي كانت دائمًا مليئة بالقسوة، الآن تبدو أكثر اشتعالًا، وكأنها تُخبئ وراءها نارًا لا تُطفأ. وعلى جانبيه، وقف ثلاثة أمراء، يبدون متطابقين في كل شيء. كانت النظرات بينهم خالية من أي شعور.
تراجعت ليزي خطوة إلى الوراء، عقلها لا يستطيع استيعاب ما تراه. عيونها تجول بين الوجوه الثلاثة، تحاول العثور على أي فرق، أي شيء يُميز أحدهم عن الآخر. لكنها فشلت في تحديد أي ملامح تفرّق بين هذا الجحيم الذي يحيط بها.
"ما هذا...؟" خرج صوتها متحشرجًا، كأنما تحاول نفي الواقع نفسه.
ابتسم الملك، ابتسامة باردة، خالية من أي إحساس إنساني. كانت ابتسامته مثل قبضة حديدية، كأنها تقول لها إن كل ما مرت به، كل ما عاشت من مشاعر، كان مجرد لعبة في يده. "ألم تكتشفي الأمر بعد؟" قال، صوته يملأ القاعة كالرعد.
نظر إلى أبنائه الثلاثة وقال ببطء، كمن ينهي فصلاً في كتاب قد قرأه عدة مرات: "أعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء هذه المهزلة."
الكشف المروع
تقدّم أحد الأمراء نحوها—كان الأمير الذي أحبته، أو هكذا ظنّت. لكن خلفه، تقدم الآخر أيضًا، بنفس الابتسامة، بنفس العيون التي أسرَت قلبها، نفس الحركات التي كانت تسلب عقلها في كل لحظة.
ثم وقف الثالث، وعلى وجهه نظرة لم تفهمها... ألم؟ ندم؟ انتصار خافت؟ كانت عيونها تتنقل بين الثلاثة كأنها تبحث عن فكاك من هذا الكابوس، لكنها كانت تدرك في أعماقها أنه لا مهرب.
بدأت أنفاسها تتسارع، عقلها يصرخ في داخلها. مستحيل... مستحيل...!
ضحك الملك، ضحكة خالية من الرحمة، تهزّ جدران القاعة. "لم يكن هناك أمير واحد، يا ليزي. بل ثلاثة."
شهقت، يدها ترتفع إلى فمها، كأنها تحاول كتم صرخة تُعصر في حلقها. نظرت إلى الأميرين اللذين أحبتهما، ولكن في تلك اللحظة لم تعد تعرف أيّهما كان حبيبها، وأيّهما كان الآخر. قلبها كان يتصدع تحت وطأة هذا الاكتشاف المرير.
أشار الملك إلى الأمير الثالث، الذي وقف جامدًا، كأن العالم كله ينهار فوق رأسه. "وهذا... هو الذي استحوذ عليكِ. هو الذي كان يفترض أن يحطّمك، لكنه فشل. لقد أصبحتِ نقطة ضعفه، وليست قوتي كما كنتُ أخطط."
رفعت ليزي نظرتها إليه، ورأت في عينيه شيئًا لم تره من قبل... لم يكن الشر، لم يكن القسوة. بل شيء أقرب إلى الألم، إلى الخسارة. كأن هذا العالم المظلم الذي كان يحيط بها، قد سحب منه كل بصيص أمل، ليتركه عارياً من الداخل.
تقدّم الملك خطوة أخرى، صوته صارم كحكمٍ بالإعدام. "أنتِ كنتِ لعبتي، وأردتكِ أن تكوني ألعونًا. لكنكِ جعلتِ أبنائي ألعوبةً لكِ."
ثم ألقى كلماته الأخيرة، التي نزلت كسكين على عنقها، تقطع ما تبقى من عقلها المشتت:
"وحان الوقت لإنهاء هذه اللعبة."
السقوط في الظلام
شعرت ليزي أن الأرض تتهاوى تحت قدميها، وأن كل شيء كان ينهار من حولها. العالم الذي عاشته، حلمها الذي بنته حول الأمير، وكل ما ظنّت أنه حقيقة كان مجرد وهم. الأمير الذي أحبته لم يكن واحدًا... كان اثنين. أما الآخر، الذي كرهته في البداية وخافت منه، كان قد وقع في حبها بطريقة أو بأخرى.
لكن الحب لا يعني شيئًا الآن.
كل ما بقي هو الندم والمرارة، أحاسيس ثقيلة تجثم على قلبها الذي كان ينبض بالصراع الداخلي. لماذا كانت تؤمن بالأوهام؟ لماذا ظنت أن الحب كان نقيًا؟ لماذا كانت كل تلك العواطف مجرد أدوات في يد شخص آخر، في يد الملك الذي لا يرى فيها سوى قطعة في لعبة عروش يعبث بها كما يشاء؟
لأن الملك قرر أن يُسدل الستار... بطريقة لا رجوع فيها. وبهذا، فقد كانت ليزي هي الخاسرة الوحيدة في هذه اللعبة، مهما حاولت أن تستعيد جزءًا من كبريائها المكسور.
وأمام هذا الفشل، كان كل شيء ينتهي في عيونها.
الخاتمة: "آخر خيانة"
1- انهيار ليزي وقرارها النهائي
بعد أن تكشف كل شيء أمامها، شعرت ليزي وكأن الأرض انهارت تحت قدميها. كيف يمكنها أن تثق في أي شيء بعد الآن؟ كل اللحظات التي ظنتها حقيقية، كل نظرة حب، كل لمسة دافئة، تبين لها أنها كانت جزءًا من لعبة ماكرة قادها الملك.
خلال الأيام التي تلت ذلك، أصبحت مجرد شبح في قصرها. لا تأكل، لا تتكلم، لا تكتب. حتى الأميرين اللذين أحبّاها بصدق أصبحا مترددين في الاقتراب منها، لأنهما علما أن نظرتها لهما قد تغيّرت، وأنهما أصبحا مجرد أدوات في الخداع الذي دمرها.
أما الأمير الثالث، الذي كان يعتقد أنه انتصر حين استحوذ عليها، فقد اكتشف أنه لم يربح شيئًا. كان قد أحبها بصدق، لكن تبين له أنه لم يكن سوى أداة في يد الملك. وعندما نظر إليها الآن، لم يرَ سوى الفراغ في عينيها.
2- المواجهة الأخيرة
في إحدى الليالي العاتمة، تسلل الأمير الثالث إلى جناحها. كان يعتقد أنه سيطلب منها الغفران أو حتى يطلب منها أن تقتله بيدها. لكن عندما وصل، وجد الغرفة فارغة والنوافذ مفتوحة على مصراعيها.
ركض بسرعة نحو الحدائق، حيث رآها واقفة على حافة البرج، تطل على البحر العاصف. شعر قلبه يتوقف.
"ليزي!" صرخ وهو يركض نحوها. لكن عند سماع خطواته، التفتت إليه ببطء، بعينين فارغتين كأنها لا تنتمي لهذا العالم.
"لا تقترب." همست بصوت بارد، وكأنها لم تعد موجودة.
توقف الأمير، يلهث، محاولًا أن يجد الكلمات المناسبة ليمنعها. "أعرف أن ما حدث كان قاسيًا... لكن لا يمكنكِ أن تنهي حياتكِ بسبب ذلك. أنتِ أقوى من هذا!"
ضحكت ضحكة مكتومة، لكن ضحكتها كانت كأنين روح محطمة. "أقوى؟ كنتُ أظن ذلك. لكنني كنتُ مجرد دمية. هل تعلم ما هو الأمر الأكثر سخرية؟ أنني كتبت عن الحرية، عن القوة، عن الثورة... لكنني لم أكن أملك حتى جسدي."
خطا خطوة أخرى نحوالقرب منها، مدّ يده إليها، لكن نظرتها جمدته في مكانه. "أحببتكِ..." اعترف، وصوته مليء بالندم والذنب والرجاء.
هزّت رأسها ببطء، وعيناها تلمعان بدموع لم تنزل. "لكنني لم أحبكَ أنتَ... ولم أكن أعرف من أحب."
ثم، قبل أن يستطيع لمسها، أغمضت عينيها، فتحت ذراعيها للهواء، وسقطت.
إرث ليزي: النهاية المزدوجة
حين لامس جسدها البحر، كان كأنه حمل معها كل شيء: آلامها، أحلامها، وأحزانها. لكن غرقها في المياه لم يكن نهاية قصتها؛ بل بداية جديدة لحكاية أخرى.
بعد موتها، انتشرت كتاباتها في كل زاوية من المملكة، وأصبحت رمزًا للتمرد ضد الطغيان. أفكارها التي كان يظن الملك أنها ستُخنق في ظلمات القصر، كانت تتسرب إلى عقول الناس، وتستنهض فيهم الرغبة في الثورة. الذين كانوا يخفون ولاءهم لها في الظلال، بدأوا في الظهور، وتجمعت الحشود التي هتفَت باسمها. الثورة التي حاول الملك محوها، وُلدت مجددًا في أعماق الأمة، لكن هذه المرة كانت مشتعلة بلا توقف.
أما الأمراء الثلاثة، فقد تجنبهم مصير واحد، لكن آثار ليزي كانت في قلوبهم واضحة، كوشم لا يمحى:
الأمير الأول، الذي حمل حبها في قلبه كالنار التي لا تنطفئ، انقلب على والده وأخذ زمام الثورة. لكن حتى في انتصاراته، كان يعيش في عذاب دائم. كانت صورته أمام مرآة الماضي لا تتركه، وهو يتساءل دومًا: ماذا لو كانت هي هنا لترى هذا؟.
الأمير الثاني اختفى، ليس لأنه أراد الهروب من الحزن، بل لأنه كان يحمل ذنبه في قلبه بشكل لا يُحتمل. لم يكن يمكنه مواجهة الحقيقة، فاختار أن يهرب منها، إلى مكان لا يعرفه أحد.
أما الأمير الثالث، الذي كان سبب سقوط ليزي، فقد تغيّر تمامًا. في كل ليلة عاصفة، كان يُشاهد وهو يقف على حافة البرج الذي قفزت منه، يهمس باسمها. كان يعتقد أن الحياة نفسها لا تستحق أن تُعاش بعد ما فعل، ولكن الموت كان رحمة لا يستحقها، فلا تمنى له.
المشهد الأخير
مرت السنوات، واندلعت الثورة بشكل أكبر. في قلب المدينة الثائرة، حيث كانت الأصوات تهتف بالحرية، كان هناك تمثال حجري لامرأة شابة، بشعر يتطاير في الريح، وقلمٍ في يدها. لم يكن أحد يذكر اسم الملك، ولا أسماء الأمراء الذين كانوا جزءًا من اللعبة الدموية. لكن الاسم الوحيد الذي كان يهمس به الجميع، هو اسمها: ليزي.
"ليزي، الكاتبة التي لم يستطع أحد أن يكسرها... حتى الموت."
إرثها كان أكبر من أي سلاسل أو حدود. كانت الكلمة أقوى من السيف، والحلم أقوى من الطغيان.
تمت.

كما قلت أختى أزيز الصمت، قصة جميلة، والنهاية منطقية رغم كل شيء. أُعجب كثيراً بكتبات الخط الثابت التي لا تحيد، لإني أجد صعوبة في ذلك. الذي يقرأ أول سطر لن يجد صعوبة في هضم آخر سطر. الكاتب الذي يعرف أين يذهب، أفضل من الكاتب التائه.
ردحذفثم الحوارات والشخصيات مجدداً جميلة. تعرفين مآخذي على بعض النقاط، لكن في المجمل القصة جميلة رغم طولها. قلم وموهبة صراحة، خصوصاً في الوصف، ما شاء الله.
لا تتوقفي عن الكتابة، وبالتوفيق في القادم إن شاء الله.
خالص مودتي وتحياتي.
شكرا أخي البراء والله انه شرف عظيم لي ..تحياتي الخالصة
حذفأزيز الصمت .
قصة رائعة واحداثها ممتعة فيها عنصر تشويق يجعلك خيالك يأخذ احتمالات عديدة ، ماشاء الله ابداع ونتمنى مزيد من الكتابات
ردحذفشكرا Eiko ..أسعدني مرورك وتعليقك الراقي ..ان شاء الله..كل بيده سبحانه وتعالى .
حذفالبطله الشهيده . الرمز .ذاك وصفها . بكيت على ليزي حزنا . ببداية القصه جال بخاطري أن البطله فتاه سوريه لاجئه قد خسرت كل شيء . أقول بصدق قصه عاصفه في القمه .وليس لجاهل مثلي أن يعلق عليها . لمست أيضا نفس القوه مع التوازن عند أجاثا كريستي ...أعتقد إنك حقا تكتبين من دمك وليس من محبره ...
ردحذفما أود أن أقوله حقا : إنني سعيد بإخراجك كل هذا العبء على الورق...كل هاته الزفرات المكلومه و المكتومه حتى وإن كانت خيالا وتمثيلا بتلبس ثوب البطله ...
عمك رفعت يقرئك السلام .. ويقول لك إليك أقلامي ودعواتي فأكتبي وتألقي. أيتها الحالمه ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..عمي رفعت والله لا تكفي الكلمات للتعبير عن مدى سعادتي بتعليقك والله حرفيا أبكيتني .... أشكرك على صبرك لطولها وأشكرك على تعليقك الجميل المحمل بنسائم طيبتك...لك مني كل الاحترام والتقدير .
حذفتحياتي . أزيز الصمت .
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف