التواء حول التواء

 





أسأل السؤال لنفسي بين الحين والحين: ما هي النسوية فعلاً؟

هي كلمة في النهاية، لكن المعاني كثيرة. صرت أسأل هذا السؤال لبعض من أعرفهم، ووجدت إجابات مختلفة، ثم اكتشفت أن الموضوع عبارة عن مستويات، من الأقل تطرفاً والأخفض صوتاً، إلى الأكثر تطرفاً والأعلى صراخاً. أكثر شيء كان الاتفاق عليه، أن النسوية هي دعوة للانفتاح، أن المرأة قادرة على القيام بمهام الرجل، وفي الحقيقة، المرأة تستطيع القيام بما هو أكثر من مهام الرجل، وهن أفضل من الرجال نفسياً في أمور كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حاملات الجبال، الأمهات. قادرات وانتهى الأمر، لكن المستوى التالي يأخذ الرغبة أعلى، ويقلن: المرأة يمكنها مجاراة الرجل في الأعمال العضلية. حتى هنا، يمكن الجدال قليلاً، وأنا لست هنا لأدافع عن شيء أو أهاجم شيء، ولكن ثمة قواعد جيدة يمكن الحديث عنها، مثلاً فكرة الهرمون -الذكوري- الذي يزيد من عملية البناء العضلية إلخ إلخ... كلام علمي بحت، لا جديد يُذكر. 

المرحلة التالية مذهلة، يقلن: المرأة يمكنها أن تكون ما تريده، وليس هذا فقط، بل أي شخص يمكنه أن يكون امرأة، سياسة المساواة -العرقجنسية- تلك. لنعش جميعاً في عالم مثالي، حيث الشخص يحدد كينونته، وبدلاً من معالجة أمراضنا النفسية، لنتقبلها ولنعش بداخلها، ونجعلها تتحكم في حياتنا، أعني، لماذا يجب أن نعالج المرض، في حين أنه يمكننا أن نتعايش معه ونتقبله ونحتضنه! وهنا يا سادة، بالذات هنا، يبدأ المرح.

أنا أعتبر أن هذا التواء، فالفطرة وكل شيء في الطبيعة -ولن أتحدث عن الدين حتى- يحددون مهام الأنثى والذكر، فحتى في أكثر العوالم غرابة، عالم الحشرات، الأنثى هي الأنثى. التعريف "أنثى" يحدد العرق الذي يعني قيام الجنس المعين، بالفعل المعين، وهي لذلك تحمل صفات معينة، والثورة الآن هي إعادة صياغة هذا التعريف، أي هو مجرد التواء حول الحقائق، وحول الفطرة، وحول أشياء كثيرة، وحينها أرى تلك الأشياء بين الحين والآخر، أشياء لا أدري هل تضحكني أم تجعلني حزيناً، أخبار على شاكلة "المتحول الجنسي كذا يفوز بالمركز الأول بمسابقة كذا الرياضية للإناث" هو في الأصل ذكر، ويأخذ المركز الأخير في مسابقات الرجال، لكنه يستيقظ ذات صباح، ويقرر أنه سيكون أنثى، النسويات المتحمسات سيدعمن هذا الرجل، سيتقبلنه -بصدر- رحب، لكن داخلهن، أو على الأقل داخل بعضهن، ثمة حرب تدور، سيكن في موقف لا يحسدن عليه، لطالما نادين بالانفتاح -الثوري- ولطالما دعمن المشروعات مريضة الأصل، فكيف الآن سيقلن لا! المجتمع بالكامل سيقول عنهن منافقات. 


هكذا، في عقلي، أتخيلهن واقفات يصفقن للرجل -الذي أراد أن يكون امرأة- صاحب المركز الأول، وعلى وجوههن ابتسامة، وداخلهن سخط وربما صرخة غضب، ولا أجزم بشيء لكن هذا لا بد أنه حدث مع بعضهن. 

وهذا ما يحدث، التوين مع القوانين وصنعن قانوناً لهن، فوجدن من الرجال من يلتوون حول قانونهم، صفعن المجتمع على وجهه فصفعهن المجتمع على قفاهن، والجزء الأسوأ أن الضحايا هن نساء مسكينات ربما أغلبهن لم يوافقن يوماً على فكر الانفتاح العرقي، ويجدن أنفسهن رغماً عنهن، في سباق مسافات طويلة مع رجل ما، أو منافسة عضلية ما مع شخص حظى بمزيد من هرمونات العضلات الطبيعية، وذلك الرجل المتحول، بربع مجهودهن -على الأغلب- ينال منهن بسهولة -على الأغلب-


هي لعبة مع الطبيعة، ولقد تعلمت من الأمر بعض الأشياء، أولها وربما أهمها: لا تعبث مع دورة الكائنات الحية بشكل مباشر، أبداً! 

الطاعون، ذلك المرض الذي ظلت أوروباً تبكي به كثيراً؟ واحد من أقوى وأهم أسبابه، هو انتشار موجة الساحرات والقطط وكيف أن القطط هي في الأصل شياطين، وحسناً، سنتفق أن القطط كائنات مريبة، مما دعم هذا الافتراض فعلاً حينها، على الأقل مجتمعياً، هكذا كلما قابل أحدهم تلك الشياطين قتلها، وما هي إلا فترة من الزمن حتى تُكسر الدورة، العدو الطبيعي للفأر قد اختفى، ووجدت برغوثة الفئران المسببة للطاعون مساحة كي تنتشر كما تريد، وتم تطبيق المثل بشكل حرفي، غابت القطط ولعبت الفئران، لكن ليس بشقة أو بمنزل، بل لعبت بأوروبا كلها.


مجاعة الصين في ستينيات القرن الماضي؟ لم يستطيعوا العد لذا قالوا فقدنا بين ال15 مليون إلى 45 مليون روح بسبب هذه المجاعة -وهذا رقم مرعب- وقد حدث هذا بسبب أنهم شنوا حملة تطهير على نوع معين من العصافير، ومن ثم انتشر الجراد الذي لم يجد عدوه الطبيعي، فأكل جميع المحاصيل. 



ما يحدث الآن هو رد فعل صغير للغاية لما يمكن أن يحدث ذات يوم، الفكرة أن دورة حياتنا بصفتنا البشر لم تُكسر، ولن تُكسر أبداً، وسنظل نتكاثر حتى نُفني الكوكب، لكن ثمة عواقب وخيمة لهذا الاتساع المستمر لفكرة محاربة الأصل والفطرة، وفكرة -احتضان- المرض والتعايش معه. بعد مرور عشرات السنوات ربما، سيصل الأمر لمرحلة يتم فيها تجريم من يتحدث بسوء عن النسويات أو التعدد العرقي، مثلما تم تجريم جميع الإشارات والعبارات العنصرية البيضاء في دول الصف الأول الغربية، وحينها سنكون قد وصلنا للذروة، وسيصبح الشرير هو الذي يطالب بعودة الفطرة السليمة بصوت عال. 

من بعيد، يبدو الأمر كمسرحية كبيرة، ولكن في الواقع، هو مجرد التواء حول التواء. 



كلمة خارجية: ثمة الكثير من الموت والبؤس حول العالم الآن، وإذا هو دعاء أضعف الإيمان، فألا ننسى هو المطلوب قبل الدعاء. 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبو علامة - الجزء الثاني

انتهى الدرس

أكرهها