تأثير فيروز


 ثمة ظاهرة غريبة انتشرت في آخر السنوات. باختصار شيء له علاقة بالوعي الجماعي أو الذكريات الجماعية. يظن أغلبية الناس مثلاً أن الجملة الفلانية في الفيلم الفلاني قيلت بطريقة معينة، لكنهم بعد ذلك يكتشفون أن الجملة قيلت بطريقة غير التي حُفرت في أدمغتهم منذ زمن. قس على هذا كل شيء. ذكريات مغلوطة عن صور لعلامات تجارية معينة. عن أحداث معينة. عن موت وحياة أشخاص معينين. 

تُدعى ظاهرة تأثير مانديلا، والسبب لتسميتها بهذا بأن الناس أو أغلبهم ظنوا بموت المناضل الشهير مانديلا في السجن، لكنهم يتفاجئون أن الرجل حي يُرزق حتى عام 2013م حينما مات في منزله. بدون الخوض في تفاصيل كثيرة يكفي البحث عن هذه الظاهرة ليُعرف كل شيء عنها . ذاك أنها ظاهرة مشهورة نظراً لما جلبته علينا من صدمات حول الذاكرة البشرية. وهي ظاهرة مثيرة للعقل وللتفكير لذا حتماً يجب أن يندهش المرء بها مرة على الأقل في حياته، بكلمات أقل أنصح بالبحث عنها.


أما الشيء المشابه الذي اختبرته -ولا أعرف إذا ما كنت سأختبره لوحدي أم لا- هو ما أحب أن أتفلسف وأسميه، ظاهرة فيروز. جميعنا نعرفها. الصوت الملائكي الذي كبرنا علينا. لا يمكن أن تسمع اسمها دون أن يخطر على بالك الصوت الرفيع الذي يقول يا طير! أو بكتب اسمك يا حبيبي على رمل الطريق. وماذا عن رجعت الشتوية؟ بل ماذا عن الموسيقى المميزة التي قد تتذكرها وحدها دون كلمات؟

أيقونات خالدة كلها لكن ما القصة؟ القصة عن صدفة عجيبة ولأني أحب أن أحكي فسأحكي دون أن أقفز للنهاية مباشرة. كنت أبحث عن فيروز لسبب ما ودخلت على صفحتها علي ويكيبيديا. والذي دخل ويكيبيديا سيعرف أنه في صفحات مثل تلك سيوجد تاريخ ولادة الفنان ثم تاريخ مماته ثم عمره. وهأنذا أمرر الصفحة سريعاً نزولاً لأعرف التفاصيل التي أبحث عنها. لكن بصري يلتقط شيئاً غريباً فأعود له. تاريخ ولادتها لا يوجد جانبه تاريخ وفاة. هل نسي الشخص الذي عدل صفحتها أن يضيفه مثلاً؟ وهل هذا أصلاً يمكن أن يُنسى؟

وعلى طريقة شيرلوك هولمز الذي قال إذا استثنينا المستحيل تبقى الحقيقة فقط مهما صعب تصديقها، ظل عقلى الغبي متشنجاً لثوان لا يفهم ما يحدث حتى وصل أخيراً إلى احتمالية أن فيروز لا زالت حية.

 المرأة تغني من خمسينيات القرن الماضي! هي في القبر الآن مع عبد الحليم وأم كلثوم وغيرهما صحيح؟ لا. فيروز لا زالت حية لهذا اليوم. على الأقل العم جوجل سيخبرك بهذا إذا كنت لا تثق في الخال ويكيبيديا. وهنا الصدمة طبعاً. كيف ولماذا؟ الأعمار بيد الله لذا لا تحاول السؤال. الآن ما الذي لا يجعل هذه ظاهرة تأير مانديلا؟ لأنني ببساطة لا أتذكر أني سمعت أخبار عن موتها. افترضت ببساطة أنها ماتت لأنها لا يمكن أن تكون حية. هذه ليست ذكرى كاذبة، هذا افتراض خاطئ.

وعلى هذا، تأثير فيروز هو حينما يفترض عقلك الباطن شيء ما لاستبعاده كل الاحتماليات أخرى، لكن يتضح أن هذا الافتراض خاطئ. يمكن قياس هذه الظاهرة على أشياء كثيرة حولنا. أشياء تدهشنا كل يوم. مثلاً تقول لا يمكن للوضع أن يسوء أكثر لأنه لا سيئ أكثر من هذا، لكنك تستيقظ صباحاً على أخبار تدهشك بأن السيئ يمكن أن يصير أسوأ بكثير جداً مما تعتقد. نظرة تشاؤمية؟ ربما، لكنها ليست تشاؤمية أكثر من أن تجزم -فرضاً- بموت شخص ما لكن يتضح أنه لا يزال حياً.

فيروز. سيدتي. أنا أعتذر.



تعليقات

  1. فيروز سيدتي انا اعتذر، حقا انها ظاهرة غريبة ، انا ايضا ظننت ان فيروز ماتت.. كلنا ظننا. لمجرد انها كانت تغني في خمسينيات القرن الماضي والآن لم تعد .. لمجرد ان صورها تظهر في كل مكان بالابيض والاسود ههه لا ادري كيف صدقنا هذه الفرضية وعشنا معها بدون اي دليل. مقال ممتع بقدر ما هو مفيد شكراً.
    _ولا تطل علينا كي لا نعتقد أيضا انك مت_ ههه
    تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. هي عجائبيات في دنيا الله. تجعل المرء يتساءل، ماذا سيحدث لو توقف واحد من البشر عند الاندهاش؟ بالتأكيد ستموت كل مشاعره الأخرى.
      وبصراحة معك حق. ربما ما ساهم في فرضيتنا التشاؤمية هذه أننا كنا لا نراها إلا بالأبيض والأسود، أو على الأقل اقترانها بمغنيين قدامى ماتوا كلهم هههه. وعمرها كذلك. معلومة اليوم. هي أكبر من عادل إمام نفسه بخمسة أعوام. نعم. تُدعى الحياة.
      سعيد جداً جداً بتعليق جنابك وبمرورك الكريم. وإن شاء الله سأحاول ألا أغيب وإن غبت لا تتشائموا عليّ في غيابي رجاءً هههه. لا تنتقموا لفيروز.
      شكراً مجدداً. تحياتي.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرجل الذي لا يعرف

انتهى الدرس

الرجل الثاني على اليمين