في القلب


 في ذكراه، كانت لا تموت. ينام ويصحو ويرى أحلاماً ويعيش أياماً، يرى وجوهاً فيحفظها وينسى أخرى، خريفه وربيعه وفصوله تتعاقب. الخلق في البحر وهو يغرق. تمر السفينة هائلة وتتركه. ركوب لها هو حلمه. أن يصل لأرض الندى مبتغاه، لكن أرض الندى بعيدة والوصول عسير. أما العاصفة فتعوي والغمام لا يبشر برحيل قريب. هو حينئذ يتذكرها تقيم في جوف الليل داعية، ويسمع حروفها باسمه. الخير كل الخير منها. لو تطول فتقطع من بدنها لتحييه لفعلت، ويبكي فيقول والله لفعلت! ثم هو يهدأ ويستكين، ويقول يا رب الدعوة احفظها، فإن كان نصيبي من الموت حقاً مكتوباً في ساعتي تلك، فإنك تعلم أن موتي موتها وأن مالها من غيري، وإن لم أكن عبدك الصالح في دنياي هذه، فسخر لها من عبادك الصالحين ألفاً. أيا رب الدعوة احفظها. 
وتظلم دنياه ويغيب عنها، ويسلم للموت ويرضى، ثم هو يفيق على جزيرة فيدور بها ويرى طفلاً فيسأله بجزع في أي أرض أنا، ويجيبه الطفل وقد كبر وصار فتياً، أنت في أرض الندى، وهو حينذاك يرى بيته من بعيد فيفرح، فيترك الصبي الذي كبر شاباً ويركض ويصيح ها قد أتيت يا أماه! ها قد أتيت يا من في القلب!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرجل الذي لا يعرف

انتهى الدرس

الرجل الثاني على اليمين