المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢٤

كل الأيام على ذات الطريق

صورة
   في يوم ما، كان بينهما ود لا ينقطع، كلمات وأشعار دون حبر. في تاريخهما تخمة أحاسيس جميلة، وفي ذاكرتهما يومان لا ينسيان، يوم التقيا أول مرة، ويوم رحلا آخر مرة. كان رجل كلمة، وكانت هي فتاة غير عادية. أحب هو الأشعار ولم تر هي فيها غير الظاهر والحروف، فإذا غاص هو داخلها، لم تره هي محقاً في ذلك، بل متظاهراً، وظلت تظن هذا حتى يوم فراقهما الأخير. كان الحب بينهما نادراً، ليس من النوع المليء بالمشاعر القوية الجرافة، بل من النوع الذي تمحو أفعاله كلماته، فقسوة منه عليها بكلمة، وغصة نفس منها على تلك الكلمة، تذهبان بعناق أو بسمة أو وردة، وليس بكلمة مثل ما أتتا.  كان يوم فراقهما حزيناً مشمساً، وصفعته هي بلسانها، فأحس بحرقة وحرارة داخله تفوق حرارة شمس يونيو المهيبة فوق رأسهما، أما هي فباردة كالثلج وهي ترص الكلمات رصاً كما الإنسان الآلي، وقد ظل يظن أنه لا بد من تدربها على ما قالته ذلك اليوم، فقد احتار في أمرها، فمرات ومرات ومرات أعاد السؤال داخله: كيف لها أن تخبره بكل بساطة أنها ستسافر إلى إنجلترا لبعثة طبية! كيف لها أن تخبره ذاك بكل سكون وهدوء العالم! وكأن الذي يحدث ليس عبثاً! ليس حقيقة! أهي مجنونة!

رماديات

صورة
 يقول صديقي وهو ينفث دخان سيجارته: "لا أعتقد أني أحب التفاؤل كثيراً، لكنني في ذات الوقت أكره التشاؤم"  كنا نمشي قبالة فرع من فروع نهر النيل، فأراه يرمي بفارغ علبة السجائر إلي المياه، ليزيد القمامة قمامة، ثم يقول: "في الحياة، لا أرى أبيض ولا أرى أسود، أرى فقط الرمادي، والأمر لا يقتصر على أشياء معينة، بل يمتد لكل شيء أراه وأفكر به" أسأله غير مبال: "مثل ماذا؟"  فيشير بيده لفتاة ترتدي من الملابس الضيقة ما يرسم قوامها المثير: "إذا رأيتَ هذه الفتاة وفكرت فقط في أنها مثيرة، فأنا أفكر في أنها مثيرة ولكن أفكر أيضاً أنها من الداخل ليست مثل الخارج" أسأله بتعجب: "وكيف تعرف؟" فيقول ضاحكاً: "ثق في، أنا أعرف"  أطالعه ولا أُطلعه على ما ببالي: "ماذا بعد أن تعرف؟ ما الذي يتغير فيك؟ لا زلت تراها مثيرة"  يصمت لوهلة قبل أن يرد: "أصير لا أرى فيها ما يجذب، وأنتم ترون القوام وتصفرون إعجاباً، وأنا لا أرى شيئاً يستحق الإعجاب بها، ولا أنظر لها بعين الإعجاب إنما بعين التحفظ" "سأعتبر أني أصدقك، ماذا ترى في باقي الأشياء أيضاً؟"