كل الأيام على ذات الطريق
في يوم ما، كان بينهما ود لا ينقطع، كلمات وأشعار دون حبر. في تاريخهما تخمة أحاسيس جميلة، وفي ذاكرتهما يومان لا ينسيان، يوم التقيا أول مرة، ويوم رحلا آخر مرة. كان رجل كلمة، وكانت هي فتاة غير عادية. أحب هو الأشعار ولم تر هي فيها غير الظاهر والحروف، فإذا غاص هو داخلها، لم تره هي محقاً في ذلك، بل متظاهراً، وظلت تظن هذا حتى يوم فراقهما الأخير. كان الحب بينهما نادراً، ليس من النوع المليء بالمشاعر القوية الجرافة، بل من النوع الذي تمحو أفعاله كلماته، فقسوة منه عليها بكلمة، وغصة نفس منها على تلك الكلمة، تذهبان بعناق أو بسمة أو وردة، وليس بكلمة مثل ما أتتا. كان يوم فراقهما حزيناً مشمساً، وصفعته هي بلسانها، فأحس بحرقة وحرارة داخله تفوق حرارة شمس يونيو المهيبة فوق رأسهما، أما هي فباردة كالثلج وهي ترص الكلمات رصاً كما الإنسان الآلي، وقد ظل يظن أنه لا بد من تدربها على ما قالته ذلك اليوم، فقد احتار في أمرها، فمرات ومرات ومرات أعاد السؤال داخله: كيف لها أن تخبره بكل بساطة أنها ستسافر إلى إنجلترا لبعثة طبية! كيف لها أن تخبره ذاك بكل سكون وهدوء العالم! وكأن الذي يحدث ليس عبثاً! ليس حقيقة! أهي مجنونة!