المشاركات

القناعة ضعف

صورة
 أعود مع ذلك الصديق مجدداً، ولا أعلم لماذا تضطرني الظروف للاستماع لترهاته كل مرة، ولكني أحياناً أعتقد أنه ذكي وأنه محق فيم يقول، وأحياناً أخرى أعتقد أنه أبله فعلاً. هذه المرة كنا في أحد المولات الشهيرة الذي لا شك أنه يحتل المرتبة الأولى أو الثانية في قائمة أكبر مولات مصر، وكلمة مول هي كلمة مستحدثة وتعني مركز تجاري ضخم به العديد المحلات التجارية، أى مجمع استهلاكي بمعنى أدق، وهو كالمغناطيس لكل الفئات المستهلِكة، من المكافحين، إلى أصحاب القصور.  هو طبعاً للمتواضعين أمثالي وزميلي، دنيا غير الدنيا، عالم لا نراه إلا هناك وهناك فقط، أناس دخلاء على غالبية أهل مصر البسطاء الذين يهشمون البصل باحتراف أثناء تناولهم الفطور على عربة الفول في الشارع.  أجد نفسي أسأله فجأة: - هل تظن أن هؤلاء ذهبوا إلى مدرسة وجلسوا في فصل به العشرات العديدة من الأطفال؟ ينظر لي فأكمل: - مثلاً حضروا أجواء سحور عادي تقليدي أغلى مكون فيه هو الزبادي؟ يرد مقلداً صوت عادل إمام في أحد مسرحياته الشهيرة: - أنا لا أعتقد!  أحاول نقل طابع الجدية له: - أقصد.. الجينات مختلفة والمنبت دخيل، ألا تظن؟ مصر أخرى غير مصر؟ ألا يجعلك هذا تفكر

كل الأيام على ذات الطريق

صورة
   في يوم ما، كان بينهما ود لا ينقطع، كلمات وأشعار دون حبر. في تاريخهما تخمة أحاسيس جميلة، وفي ذاكرتهما يومان لا ينسيان، يوم التقيا أول مرة، ويوم رحلا آخر مرة. كان رجل كلمة، وكانت هي فتاة غير عادية. أحب هو الأشعار ولم تر هي فيها غير الظاهر والحروف، فإذا غاص هو داخلها، لم تره هي محقاً في ذلك، بل متظاهراً، وظلت تظن هذا حتى يوم فراقهما الأخير. كان الحب بينهما نادراً، ليس من النوع المليء بالمشاعر القوية الجرافة، بل من النوع الذي تمحو أفعاله كلماته، فقسوة منه عليها بكلمة، وغصة نفس منها على تلك الكلمة، تذهبان بعناق أو بسمة أو وردة، وليس بكلمة مثل ما أتتا.  كان يوم فراقهما حزيناً مشمساً، وصفعته هي بلسانها، فأحس بحرقة وحرارة داخله تفوق حرارة شمس يونيو المهيبة فوق رأسهما، أما هي فباردة كالثلج وهي ترص الكلمات رصاً كما الإنسان الآلي، وقد ظل يظن أنه لا بد من تدربها على ما قالته ذلك اليوم، فقد احتار في أمرها، فمرات ومرات ومرات أعاد السؤال داخله: كيف لها أن تخبره بكل بساطة أنها ستسافر إلى إنجلترا لبعثة طبية! كيف لها أن تخبره ذاك بكل سكون وهدوء العالم! وكأن الذي يحدث ليس عبثاً! ليس حقيقة! أهي مجنونة!

رماديات

صورة
 يقول صديقي وهو ينفث دخان سيجارته: "لا أعتقد أني أحب التفاؤل كثيراً، لكنني في ذات الوقت أكره التشاؤم"  كنا نمشي قبالة فرع من فروع نهر النيل، فأراه يرمي بفارغ علبة السجائر إلي المياه، ليزيد القمامة قمامة، ثم يقول: "في الحياة، لا أرى أبيض ولا أرى أسود، أرى فقط الرمادي، والأمر لا يقتصر على أشياء معينة، بل يمتد لكل شيء أراه وأفكر به" أسأله غير مبال: "مثل ماذا؟"  فيشير بيده لفتاة ترتدي من الملابس الضيقة ما يرسم قوامها المثير: "إذا رأيتَ هذه الفتاة وفكرت فقط في أنها مثيرة، فأنا أفكر في أنها مثيرة ولكن أفكر أيضاً أنها من الداخل ليست مثل الخارج" أسأله بتعجب: "وكيف تعرف؟" فيقول ضاحكاً: "ثق في، أنا أعرف"  أطالعه ولا أُطلعه على ما ببالي: "ماذا بعد أن تعرف؟ ما الذي يتغير فيك؟ لا زلت تراها مثيرة"  يصمت لوهلة قبل أن يرد: "أصير لا أرى فيها ما يجذب، وأنتم ترون القوام وتصفرون إعجاباً، وأنا لا أرى شيئاً يستحق الإعجاب بها، ولا أنظر لها بعين الإعجاب إنما بعين التحفظ" "سأعتبر أني أصدقك، ماذا ترى في باقي الأشياء أيضاً؟"

التواء حول التواء

صورة
  أسأل السؤال لنفسي بين الحين والحين: ما هي النسوية فعلاً؟ هي كلمة في النهاية، لكن المعاني كثيرة. صرت أسأل هذا السؤال لبعض من أعرفهم، ووجدت إجابات مختلفة، ثم اكتشفت أن الموضوع عبارة عن مستويات، من الأقل تطرفاً والأخفض صوتاً، إلى الأكثر تطرفاً والأعلى صراخاً. أكثر شيء كان الاتفاق عليه، أن النسوية هي دعوة للانفتاح، أن المرأة قادرة على القيام بمهام الرجل، وفي الحقيقة، المرأة تستطيع القيام بما هو أكثر من مهام الرجل، وهن أفضل من الرجال نفسياً في أمور كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حاملات الجبال، الأمهات. قادرات وانتهى الأمر، لكن المستوى التالي يأخذ الرغبة أعلى، ويقلن: المرأة يمكنها مجاراة الرجل في الأعمال العضلية. حتى هنا، يمكن الجدال قليلاً، وأنا لست هنا لأدافع عن شيء أو أهاجم شيء، ولكن ثمة قواعد جيدة يمكن الحديث عنها، مثلاً فكرة الهرمون -الذكوري- الذي يزيد من عملية البناء العضلية إلخ إلخ... كلام علمي بحت، لا جديد يُذكر.  المرحلة التالية مذهلة، يقلن: المرأة يمكنها أن تكون ما تريده، وليس هذا فقط، بل أي شخص يمكنه أن يكون امرأة، سياسة المساواة -العرقجنسية- تلك. لنعش جميعاً في عالم مثالي، ح

الزوج الأزرق

صورة
 يجلس على الشاطئ ساهماً، يطالع أفق غروب برتقالي، سائراً داخل عقله في رحلة الذكريات التي كانت محطتها النهائية اللحظة التي يعيشها ويتنفسها. يسمعها وهي تجلس جانبه على الرمال. لا يأتي برد فعل ويتركها تمسك بيده وتريح رأسها على كتفه. يراجع ذكرياته مجدداً.  في قرارة نفسه، كان يعرف أنها غير طبيعية، لأي مدى؟ يسأل نفسه، لمدى بعيد للغاية، يجاوبها.   في البداية، وقبل دقائق مرت، كان لا يذكر كيف قابلها لأول مرة، لكن كان يقول لنفسه أنه بالتأكيد في الشتاء، لأنه يذكر الجو البارد. كان ثملاً لكنه ما انفك يفكر لنفسه أن ذلك غريب، إذ كان لا يذكر أي شيء عن ذلك اليوم سوى محطات توقف صغيرة، مثلاً، قد كان لا يعلم ما الذي جذبه إليها، لكنه كان يعلم يقيناً أنه ليس لون عينيها، لأنه كرهه أيما كره في ذلك اليوم، قد كان يذكّره بشكل فج، بلون عيني شخص ما يغيظه، ذات الشخص الذي ثمل كي ينساه.  المحطة التالية التي يذكرها هي حديثها معه، ثملة كما كانت هي الأخرى، وعلى ضوء القمر، سألته بالإنجليزية: - تحدق فيّ كثيراً، هل أنا جميلة؟ مجدداً، لا يذكر رده ولا يذكر شيئاً عن ذلك الاتصال الأول، وتلك محطة أخرى مضت. عند لحظة ما، يذكر أنها

أبو علامة - الجزء الثاني

صورة
  وقف أمامي يطالعني بشيء من الحسرة، وشعرت أنه حزين عليّ وغاضب مني. لم يكن ذاك سوى مدير المشفى الذي أعمل به يقول وهو ينظر لساقي المعلقة أمامه: - كدت أخصم منك أسبوعاً لانقطاعك عن العمل. - لكن قلبك طيب وأنت تحبني. - لكن عفاف شرحت لي الوضع. أصررتُ على زيارتك بنفسي وإعطائك ورقة الإجازة المرضية لتوقعها بنفسك. يقولها ثم يمد يده لي بورقة رسمية من المشفى، مع قلم حبر. أوقع الورقة وأنا أسأله: - أين هي عفاف؟ فيجاوبني: - في نوبتها. ويجلس جانبي على السرير قائلاً بصوت خفيض: - ماذا حدث يا أشرف؟ تقرير الأشعة يقول إنك تعرضت لضربة بأداة في ساقك! - وقعت من مكان مرتفع وارتطمت ساقي بكتلة إسمنتية، هذا هو ما حدث. - وهذا ما قالته لي عفاف أيضاً، وهو ما لا أصدقه. هل رأيتها؟ أمتأكد أنت أنها عفاف التي نعرف؟ - ماذا تعني؟ - أعني أن ثمة ما حدث في تلك الرحلة لكنكما لا تخبرانا به. - أعني.. هذا من حقك طبعاً أن تعترض على تفسيرنا، لكنك لم تكن معنا لذا... يقف قائلاً: - نعم أعرف، لكن كفاءة عفاف تأثرت وأراهن أنك كفاءتك أيضاً ستقل. وهنا دخل أبي يحمل بعضاً من المقبلات واجب استقبال المدير، إلا أن الأخير شكرنا مؤكداً على ضرورة ا